﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَآءَهُ الاعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّه يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَه تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَآءَ ذَكَرَه * فِى صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةا * بِأَيْدِى سَفَرَةٍ * كِرَاما بَرَرَةٍ * قُتِلَ الانسَـانُ مَآ أَكْفَرَه * مِنْ أَىِّ شَىْءٍ خَلَقَه * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَه فَقَدَّرَه * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَه * ثُمَّ أَمَاتَه فَأَقْبَرَه * ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَه * كَلا لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَه * فَلْيَنظُرِ الانسَـانُ إِلَى طَعَامِهِا * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الارْضَ شَقًّا * فَأَنابَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلا * وَحَدَآاِقَ غُلْبًا * وَفَـاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَـاعًا لَّكُمْ وَلانْعَـامِكُمْ * فَإِذَا جَآءَتِ الصَّآخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِا وَأَبِيهِ * وَصَـاحِبَتِهِا وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِى ٍ مِّنْهُمْ يومئذ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يومئذ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يومئذ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوالَئاِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ﴾.
هذه السورة مكية. وسبب نزولها مجيء ابن أم مكتوم إليه/ صلى الله عليه وسلّم، وقد ذكر أهل الحديث وأهل التفسير قصته. ومناسبتها لما قبلها : أنه لما ذكر
٤٢٦
﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَـاهَا﴾، ذكر في هذه من ينفعه الإنذار ومن لم ينفعه الإنذار، وهم الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يناجيهم في أمر الإسلام : عتبة بن ربيعة وأبو جهل وأبي وأمية، ويدعوهم إليه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٢٦
﴿أَن جَآءَهُ﴾ : مفعول من أجله، أي لأن جاءه، ويتعلق بتولى على مختار البصريين في الأعمال، وبعبس على مختار أهل الكوفة. وقرأ الجمهور ؛ ﴿عَبَسَ﴾ مخففاً، ﴿ءَانٍ﴾ بهمزة واحدة ؛ وزيد بن علي : بشد الباء ؛ وهو والحسن وأبو عمران الجوني وعيسى : أآن بهمزة ومدة بعدها ؛ وبعض القراء : بهمزتين محققتين، والهمزة في هاتين القراءتين للاستفهام، وفيهما يقف على تولى. والمعنى : ألأن جاءه كاد كذا. وجاء بضمير الغائب في ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴾ إجلالاً له عليه الصلاة والسلام، ولطفاً به أن يخاطبه لما في المشافهة بتاء الخطاب مما لا يخفى. وجاء لفظ ﴿الاعْمَى ﴾ إشعاراً بما يناسب من الرفق به والصغو لما يقصده، ولابن عطية هنا كلام أضربت عنه صفحاً. والضمير في ﴿لَعَلَّهُ﴾ عائد على ﴿الاعْمَى ﴾، أي يتطهر بما يتلقن من العلم، أو ﴿يَذَّكَّرُ﴾ : أي يتعظ، ﴿فَتَنفَعَهُ﴾ ذكراك، أي موعظتك. والظاهر مصب ﴿يُدْرِيكَ﴾ على جملة الترجي، فالمعنى : لا تدري ما هو مترجى منه من تزك أو تذكر. وقيل : المعنى وما يطلعك على أمره وعقبى حاله.
ثم ابتدأ القول :﴿لَعَلَّه يَزَّكَّى ﴾ : أي تنمو بركته ويتطهر لله. وقال الزمخشري : وقيل : الضمير في ﴿لَعَلَّهُ﴾ للكافر، يعني أنك طمعت في أن يتزكى بالإسلام، أو يذكر فتقر به الذكرى إلى قبول الحق، وما يدريك أن ما طمعت فيه كائن. انتهى. وهذا قول ينزه عنه حمل القرآن عليه. وقرأ الجمهور :﴿أَوْ يَذَّكَّرُ﴾ بشد الذال والكاف، وأصله يتذكر فأدغم ؛ والأعرج وعاصم في رواية : أو يذكر، بسكون الذال وضم الكاف. وقرأ الجمهور :﴿فَتَنفَعَهُ﴾، برفع العين عطفاً على ﴿أَوْ يَذَّكَّرُ﴾ ؛ وعاصم في المشهور، والأعرج وأبو حيوة أبي عبلة والزعفراني : بنصبهما. قال ابن عطية : في جواب التمني، لأن قوله :﴿أَوْ يَذَّكَّرُ﴾ في حكم قوله ﴿لَعَلَّه يَزَّكَّى ﴾. انتهى. وهذا ليس تمنياً، إنما هو ترج وفرق بين الترجي والتمني. وقال الزمخشري : وبالنصب جواباً للعل، كقوله :﴿فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَـاهِ مُوسَى ﴾. انتهى. والترجي عند البصريين لا جواب له، فينصب بإضمار أن بعد الفاء. وأما الكوفيون فيقولون : ينصب في جواب الترجي، وقد تقدم لنا الكلام على ذلك في قوله :﴿فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَـاهِ مُوسَى ﴾ في قراءة حفص، ووجهنا مذهب البصريين في نصب المضارع.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٢٦