وعن ابن عباس : الشاهد : الله تعالى ؛ وعنه وعن الحسن بن علي وعكرمة : الرسول صلى الله عليه وسلّم ؛ وعن مجاهد وعكرمة وعطاء بن يسار : آدم عليه السلام وذريته ؛ وعن ابن عباس أيضاً والحسن : الشاهد يوم عرفة ويوم الجمعة، وفي كل قوم منها المشهود يوم القيامة ؛ وعن علي وابن عباس وأبي هريرة والحسن وابن المسيب وقتادة : وشاهد يوم الجمعة ؛ وعن ابن المسيب : يوم التروية ؛ وعن علي أيضاً : يوم القيامة ؛ وعن النخعي : يوم الأضحى. ومشهود في هذه الأقوال يوم عرفة ؛ وعن ابن عمر : يوم الجمعة، ومشهود يوم النحر ؛ وعن جابر : يوم الجمعة، ومشهود الناس ؛ وعن محمد بن كعب : ابن آدم، ومشهود الله تعالى ؛ وعن ابن جبير : عكس هذا ؛ وعن أبي مالك : عيسى، ومشهود أمته، وعن علي : يوم عرفة، ومشهود يوم النحر ؛ وعن الترمذي : الحكيم الحفظة، ومشهود عليهم : الناس ؛ وعن عبد العزيز بن يحيى : محمد صلى الله عليه وسلّم، ومشهود عليه أمته ؛ وعنه : الأنبياء، ومشهود أممهم ؛ وعن ابن جبير ومقاتل الجوارح يوم القيامة، ومشهود أصحابها. وقيل : هما يوم الاثنين ويوم الجمعة. وقيل : الملائكة المتعاقبون وقرآن الفجر. وقيل : النجم والليل والنهار. وقيل : الله والملائكة وأولو العلم، ومشهود به الوحدانية، و﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الاسْلَـامُ﴾. وقيل : مخلوقاته تعالى، ومشهود به وحدانيته. وقيل : هما الحجر الأسود والحجج. وقيل : الليالي والأيام وبنو آدم. وقيل : الأنبياء ومحمد صلى الله عليه وسلّم ؛ وهذه أقوال سبعة وعشرون لكل منها متمسك، وللصوفية أقوال غير هذه. والظاهر ما قلناه أولاً، وجواب القسم قيل محذوف، فقيل : لتبعثن ونحوه. وقال الزمخشري : يدل عليه ﴿قُتِلَ أَصْحَـابُ الاخْدُودِ﴾. وقيل : الجواب مذكور فقيل :﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا ﴾. وقال المبرد :﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾. وقيل : قتل وهذا نختاره وحذفت اللام أي لقتل، وحسن حذفها كما حسن في قوله :﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَـاهَا﴾، ثم قال :﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـاهَا﴾، أي لقد أفلح من زكاها، ويكون الجواب دليلاً على لعنة الله على من فعل ذلك وطرده من رحمة الله، وتنبيهاً لكفار قريش الذين يؤذون المؤمنين ليفتنوهم عن دينهم، على أنهم ملعونون بجامع ما اشتركا فيه من تعذيب المؤمنين. وإذا كان ﴿قُتِلَ﴾ جواباً للقسم، فهي جملة خبرية، وقيل : دعاء، فكون الجواب غيرها. وقرأ الحسن وابن مقسم بالتشديد، والجمهور بالتخفيف.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٤٨
وذكر المفسرون في أصحاب الأخدود أقوالاً فوق العشرة، ولكل قول منها قصة طويلة كسلنا عن كتابتها في كتابنا هذا ؛ ومضنها أن ناساً من الكفار خدوا أخدوداً في الأرض وسجروه ناراً وعرضوا المؤمنين عليها، فمن رجع عن دينه تركوه، ومن أصرّ على الإيمان أحرقوه ؛ وأصحاب الأخدود هم المحرقون للمؤمنين. وقال الربيع وأبو العالية وابن إسحاق : بعث الله على المؤمنين ريحاً فقبضت أرواحهم أو نحو هذا، وخرجت النار فأحرقت الكافرين الذين كانوا على حافتي الأخدود، فعلى هذا يكون القتل حقيقة لا بمعنى اللعن، ويكون خبراً عن ما فعله الله بالكفار والذين أرادوا أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم. وقول هؤلاء مخالف لقول الجمهور ولما دل عليه القصص الذي ذكروه. وقرأ الجمهور :﴿النَّارِ﴾ بالجر، وهو بدل اشتمال، أو بدل كل من كل على تقدير محذوف، أي أخدود النار. وقرأ قوم النار بالرفع. قيل : وعلى معنى قتلهم، ويكون أصحاب الأخدود إذ ذاك المؤمنين، وقتل على حقيقته. وقرأ الحسن وأبو رجاء وأبو حيوة وعيسى : الوقود بضم الواو وهو مصدر، والجمهور : بفتحها، وهو ما يوقد به. وقد حكى
٤٥٠
سيبويه أنه بالفتح أيضاً مصدر كالضم. والظاهر أن الضمير في ﴿إِذْ هُمْ﴾ عائد على الذين يحرقون المؤمنين، وكذلك في ﴿وَهُمْ﴾ على قول الربيع يعود على الكافرين، ويكون هم أيضاً عائداً عليهم، ويكون معنى ﴿عَلَى مَا يَفْعَلُونَ﴾ : ما يريدون من فعلهم بالمؤمنين. وقيل : أصحاب الأخدود محرق، وتم الكلام عند قوله :﴿ذَاتِ الْوَقُودِ﴾، ويكون المراد بقوله :﴿وَهُمْ﴾ قريش الذين كانوا يفتنون المؤمنين والمؤمنات، وإذا العامل فيه قتل، أي لعنوا وقعدوا على النار، أو على ما يدنو منها من حافات الأخدود، كما قال الأعشى :
تشب لمقرورين يصطليانهاوبات على النار الندى والمحلق
﴿شُهُودٌ﴾ : يشهد بعضهم لبعض عند الملك، أي لم يفرط فيما أمر به، أو شهود يوم القيامة على ما فعلوا بالمؤمنين، يوم تشهد عليهم جوارحهم بأعمالهم. وقرأ الجمهور :﴿نَقَمُوا ﴾ بفتح القاف ؛ وزيد بن عليّ وأبو حيوة وابن أبي عبلة : بكسرها، أي ما عابوا ولا أنكروا الإيمان، كقوله :﴿هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلا أَنْ ءَامَنَّا بِاللَّهِ﴾، وكقول قيس الرقيات :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٤٨
ما نقموا من بني أمية إلاأنهم يحلمون أن غضبوا
جعلوا ما هو في غاية الحسن قبيحاً حتى نقموا عليه، كما قال الشاعر :