وقال الجمهور : إرم مدينة لهم عظيمة كانت على وجه الدهر باليمن. وقال محمد بن كعب : هي الإسكندرية. وقال ابن المسيب والمقبري : هي دمشق. وقال مجاهد أيضاً : إرم معناه القديمة. وقرأ الجمهور : بعاد مصر، وفا إرم بكسر الهمزة وفتح الراء والميم ممنوع الصرف للتأنيث والعلمية لأنه اسم للقبيلة، وعاد، وإن كان اسم القبيلة، فقد يلحظ فيه معنى الحي فيصرف أولاً يلحظ، فجاء على لغة من صرف هنداً، وإرم عطف بيان أو بدل. وقرأ الحسن : بعاد غير ممنوع الصرف مضافاً إلى إرم، فجاز أن يكون إرم وجداً ومدينة ؛ والضحاك : إرم بفتح الراء وما بعدها ممنوعي الصرف. وقرأ ابن الزبير : بعاد بالإضافة، إرم بفتح الهمزة وكسر الراء، وهي لغة في المدينة، والضحاك : بعاد مصروفاً، وبعاد غير مصروف أيضاً، أرم بفتح الهمزة وسكون الراء تخفيف أرم بكسر الراء ؛ وعن ابن عباس والضحاك : أرم فعلاً ماضياً، أي بلي، يقال : رم العظم وأرم هو : أي بلي، وأرمه غيره معدى بالهمزة من رم الثلاثي. وذات على هذه القراءة مكسورة التاء ؛ وابن عباس أيضاً : فعلاً ماضياً، ذات بنصب التاء على المفعول به، وذات بالكسر صفة لإرم ؛ وسواء كانت اسم قبيلة أو مدينة، وإن كان يترجح كونها مدينة بقوله :﴿لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِى الْبِلَـادِ﴾، فإذا كانت قبيلة صح إضافة عاد إليها وفكها منها بدلاً أو عطف بيان، وإن كانت مدينة فالإضافة إليها ظاهرة والفك فيها يكون على حذف مضاف، أي بعاد أهل إرم ذات العماد.
وقرىء :﴿إِرَمَ ذَاتِ﴾، بإضافة إرم إلى ذات، والإرم : العلم، يعني بعاد : أعلام ذات العماد. ومن قرأ : أرم فعلاً ماضياً، ذات بالنصب، أي جعل الله ذات العماد رميماً، ويكون ﴿إِرَمَ﴾ بدلاً من ﴿فَعَلَ رَبُّكَ﴾ وتبييناً لفعل، وإذا كانت ﴿ذَاتِ الْعِمَادِ﴾ صفة للقبيلة. فقال ابن عباس : هي كناية عن طول أبدانهم، ومنه قيل : رفيع العماد، شبهت قدودهم بالأعمدة، ومنه قولهم : رجل عمد وعمدان أي طويل. وقال عكرمة ومقاتل : أعمدة بيوتهم التي كانوا يرحلون بها لأنهم كانوا أهل عمود. وقال ابن زيد : أعمدة بنيانهم، وإذا كانت صفة للمدينة، فأعمدة الحجارة التي بنيت بها. وقيل : القصور العالية والأبراج يقال لها عماد. وحكي عن مجاهد : أرم مصدر، أرم يأرم إذا هلك، والمعنى : كهلاك ذات العماد، وهذا قول غريب، كأن معنى ﴿كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ﴾ : كيف أهلك عاداً كهلاك ذات العماد. وذكر المفسرون أن ذات العماد مدينة ابتناها شداد بن عاد لما سمع بذكر الجنة على أوصاف بعيد، أو مستحيل عادة أن يبنى في الأرض مثلها، وأن الله تعالى بعث عليها وعلى أهله صيحة قبل أن يدخلها هلكوا جميعاً، ويوقف على قصتهم في كتاب التحرير وشيء منها في الكشاف.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦٥
وقرأ الجمهور :﴿لَمْ يُخْلَقْ﴾ مبنياً للمفعول، مثلها رفع ؛ وابن الزبير : مبنياً للفاعل، مثلها نصباً، وعنه : نخلق بالنون والضمير في مثلها عائد على المدينة التي هي ذات العماد في البلاد، أي في بلاد الدنيا، أو عائد على القبيلة، أي في عظم أجسام وقوة. وقرأ ابن وثاب وثمود بالتنوين. والجمهور : بمنع الصرف. ﴿جَابُوا الصَّخْرَ﴾ : خرقوه ونحتوه، فاتخذوا في الحجارة منها بيوتاً، كما قال تعالى :﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ﴾ بيوتاً. قيل :
٤٦٩
أول من نحت الجبال والصخور والرخام ثمود، وبنوا ألفاً وسبعمائة مدينة كلها بالحجارة بالوادي، وادي القرى. وقيل : جابوا واديهم وجلبوا ماءهم في صخر شقوه فعل ذي القوة والآمال. ﴿ذِى الاوْتَادِ﴾ : تقدم الكلام على ذلك في سورة ص. ﴿الَّذِينَ﴾ صفة لعاد وثمود وفرعون، أو منصوب على الذم، أو مرفوع على إضمارهم. ﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾ : أبهم هنا وأوضح في الحاقة وفي غيرها، ويقال : صب عليه السوط وغشاه وقنعه، واستعمل الصب لاقتضائه السرعة في النزول على المضروب، قال :
فصب عليهم محصرات كأنهاشآبيب ليست من سحاب ولا قطر
يريد : المحدودين في قصة الإفك. وقال بعض المتأخرين في صفة الحبل :
صببنا عليهم ظالمين شياطنافطارت بها أيد سراع وأرجل
وخص السوط فاستعير للعذاب، لأنه يقتضي من التكرار والترداد ما لا يقتضيه السيف ولا غيره. وقال الزمخشري : وذكر السوط إشارة إلى أن ما أحله بهم في الدنيا من العذاب العظيم بالقياس إلى ما أعد لهم في الآخرة، كالسوط إذا قيس إلى سائر ما يعذب به. والمرصاد والمرصد : المكان الذي يترتب فيه الرصد، مفعال من رصده، وهذا مثل لإرصاده العصاة بالعقاب وأنهم لا يفوتونه. قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون المرصاد في الآية اسم فاعل، كأنه قال : لبالراصد، فعبر ببناء المبالغة، انتهى. ولو كان كما زعم، لم تدخل الباء لأنها ليست في مكان دخولها، لا زائدة ولا غير زائدة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٦٥


الصفحة التالية
Icon