﴿فَأَثَرْنَ﴾ : معطوف على اسم الفاعل الذي هو صلة أل، لأنه في معنى الفعل، إذ تقديره : فاللاتي عدون فأغرن فأثرن. وقال الزمخشري : معطوف على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه، انتهى. وتقول أصحابنا : هو معطوف على الاسم، لأنه في معنى الفعل. وقرأ الجمهور :﴿فَأَثَرْنَ﴾، ﴿فَوَسَطْنَ﴾، بتخفيف الثاء والسين ؛ وأبو حيوة وابن أبي عبلة : بشدّهما ؛ وعليّ وزيد بن علي وقتادة وابن أبي ليلى : بشدّ السين. وقال الزمخشري : وقرأ أبو حيوة : فأثرن بالتشديد، بمعنى : فأظهرن به غباراً، لأن التأثير فيه معنى الإظهار، أو قلب ثورن إلى وثرن، وقلب الواو همزة. وقرىء : فوسطن بالتشديد للتعدية، والباء مزيدة للتوكيد، كقوله :﴿فَأْتُوا بِهِ﴾، وهي مبالغة في وسطن، انتهى. أما قوله : أو قلب، فتمحل بارد. وأما أن التشديد للتعدية، فقد نقلوا أن وسط مخففاً ومثقلاً بمعنى واحد، وأنهما لغتان، والضمير في به عائد في الأول على الصبح، أي هيجن في ذلك الوقت غباراً، وفي به الثاني على الصبح. قيل : أو على النقع، أي وسطن النقع الجمع، فيكون وسطه بمعنى توسطه. وقال علي وعبد الله :﴿فَوَسَطْنَ بِهِا جَمْعًا﴾ : أي الإبل، وجمعاً اسم للمزدلفة، وليس بجمع من الناس. وقال بشر بن أبي حازم :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٠٢
فوسطن جمعهم وأفلت حاجبتحت العجاجة في الغبار الأقتم
وقيل : الضمير في به معاً يعود على العدو الدال عليه ﴿وَالْعَادِيَاتِ﴾ أيضاً. وقيل : يعود على المكان الذي يقتضيه المعنى، وإن لم يجر له ذكر، لدلالة والعاديات وما بعدها عليه. وقيل : المراد بالنقع هنا الصياح، والظاهر أن المقسم به هو جنس العاديات، وليست أل فيه للعهد، والمقسم عليه :﴿إِنَّ الانسَانَ لِرَبِّهِا لَكَنُودٌ﴾. وفي الحديث :"الكنود يأكل وحده ويمنع رفده ويضرب عبده". وقال ابن عباس والحسن : هو الجحود لنعمة الله تعالى. وعن الحسن أيضاً : هو اللائم لربه، يعد السيئات وينسى الحسنات. وقال الفضيل : هو الذي تنسيه سيئة واحدة حسنات كثيرة، ويعامل الله على عقد عوض. وقال عطاء :
٥٠٤
هو الذي لا يغطى في النائبات مع قومه. وقيل : البخيل. وقال ابن قتيبة : أرض كنود : لا تنبت شيئاً. والظاهر عود الضمير في ﴿وَإِنَّهُ﴾ على ذلك ﴿لَشَهِيدٌ﴾، أي يشهد على كنوده، ولا يقدر أن يجحده لظهور أمره، وقاله الحسن ومحمد بن كعب. وقال ابن عباس وقتادة : هو عائد على الله تعالى، أي وربه شاهد عليه، وهو على سبيل الوعيد. وقال التبريزي : هو عائد على الله تعالى، وربه شاهد عليه هو الأصح، لأن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورين، ويكون ذلك كالوعيد والزجر عن المعاصي، انتهى. ولا يترجح بالقرب إلا إذا تساويا من حيث المعنى. والإنسان هنا هو المحدث عنه والمسند إليه الكنود. وأيضاً فتناسق الضمائر لواحد مع صحة المعنى أولى من جعلهما لمختلفين، ولا سيما إذا توسط الضمير بين ضميرين عائدين على واحد. ﴿وَإِنَّهُ﴾ : أي وإن الإنسان، ﴿لِحُبِّ الْخَيْرِ﴾ : أي المال، ، لشديد} : أي قوي في حبه. وقيل : لبخيل بالمال ضابط له، ويقال للبخيل : شديد ومتشدد. وقال طرفة :
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفيعقيلة مال الفاحش المتشدد
وقال قتادة : الخير من حيث وقع في القرآن هو المال. قال ابن عطية : ويحتمل أن يراد هذا الخير الدنيوي من مال وصحة وجاءه عند الملوك ونحوه، لأن الكفار والجهال لا يعرفون غير ذلك. فأما المحب في خير الآخرة فممدوح مرجوله الفور. وقال الفراء : نظم الآية أن يقال : وإنه لشديد الحب للخير. فلما تقدم الحب قال لشديد، وحذف من آخره ذكر الحب لأنه قد جرى ذكره، ولرءوس الآي كقوله تعالى :: أي قوي في حبه. وقيل : لبخيل بالمال ضابط له، ويقال للبخيل : شديد ومتشدد. وقال طرفة :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٠٢
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفيعقيلة مال الفاحش المتشدد
وقال قتادة : الخير من حيث وقع في القرآن هو المال. قال ابن عطية : ويحتمل أن يراد هذا الخير الدنيوي من مال وصحة وجاءه عند الملوك ونحوه، لأن الكفار والجهال لا يعرفون غير ذلك. فأما المحب في خير الآخرة فممدوح مرجوله الفور. وقال الفراء : نظم الآية أن يقال : وإنه لشديد الحب للخير. فلما تقدم الحب قال لشديد، وحذف من آخره ذكر الحب لأنه قد جرى ذكره، ولرءوس الآي كقوله تعالى :﴿فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾، والعصوف : للريح لا للأيام، كأنه قال : في يوم عاصف الريح، انتهى. وقال غيره ما معناه : لأنه ليس أصله ذلك التركيب، بل اللام في ﴿لِحُبِّ﴾ لام العلة، أي وإنه لأجل حب المال لبخيل ؛ أو وإنه لحب المال وإيثاره قوي مطيق، وهو لحب عبادة الله وشكر نعمه ضعيف متقاعس. تقول : هو شديد لهذا الأمر وقوي له إذا كان مطيقاً له ضابطاً. قال الزمخشري : أو أراد : وإنه لحب الخيرات غير هش منبسط، ولكنه شديد منقبض.
﴿أَفَلا يَعْلَمُ﴾ : توقيف إلى ما يؤول إليه الإنسان، ومفعول يعلم محذوف وهو العامل في الظرف، أي أفلا يعلم مآ له ؟ ﴿إِذَا بُعْثِرَ﴾، وقال الحوفي : إذا ظرف مضاف إلى بعثر والعامل فيه يعلم. انتهى، وليس بمتضح لأن المعنى : أفلا يعلم الآن ؟ وقرأ الجمهور : بعثر بالعين مبنياً للمفعول. وقرأ عبد الله : بالحاء. وقرأ الأسود بن زيد : بحث. وقرأ نضر بن عاصم : بحثر على بنائه للفاعل. وقرأ ابن يعمر ونصر بن عاصم ومحمد بن أبي سعدان : وحصل مبنياً للفاعل ؛ والجمهور : مبنياً للمفعول. وقرأ ابن يعمر أيضاً ونصر بن عاصم أيضاً : وحصل مبنياً للفاعل خفيف الصاد، والمعنى جمع ما في المصحف، أي أظهر محصلاً مجموعاً. وقيل : ميز وكشف ليقع الجزاء عليه. وقرأ الجمهور :﴿بِهِمْ يومئذ لَّخَبِيرُ﴾ باللام : هو استئناف إخبار، والعامل في ﴿بِهِمْ﴾، وفي ﴿يَوْمَاِذٍ لَّخَبِيرُ﴾، وهو تعالى خبير دائماً لكنه ضمن خبير معنى مجاز لهم في ذلك اليوم. وقرأ أبو السمال والحجاج : بفتح الهمزة وإسقاط اللام. ويظهر في هذه القراءة تسلط يعلم على إن، لكنه لا يمكن إعمال خبير في إذا لكونه في صلة أن المصدرية، لكنه لا يمكن أن يقدر له عامل فيه من معنى الكلام، فإنه قال : يجزيهم إذا بعثر، وعلى هذا التقدير يجوز أن يكون يعلم معلقه عن العمل في قراءة الجمهور، وسدت مسد المعمول في إن، وفي خبرها اللام ظاهر، إذ هي في موضع نصب بيعلم. وإذا العامل فيها من معنى مضمون الجملة تقديره : كما قلنا يجزيهم إذا بعثر.
٥٠٥
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٠٢