﴿أَخْلَدَهُ﴾ : أي أبقاه حياً، إذ به قوام حياته وحفظه مدّة عمره. قال الزمخشري : أي طوّل المال أمله ومناه الأماني البعيدة، حتى أصبح لفرط غفلته وطول أمله يحسب أن المال تركه خالداً في الدنيا لا يموت. قيل : وكان للأخنس أربعة آلاف دينار. وقيل : عشرة آلاف دينار. ﴿كَلا ﴾ ردع له عن حسبانه. وقرأ الجمهور :﴿لَيُنابَذَنَّ﴾ فيه ضمير الواحد ؛ وعليّ والحسن : بخلاف عنه ؛ وابن محيصن وحميد وهارون عن أبي عمرو : ولينبذان، بألف ضمير اثنين : الهمزة وماله. وعن الحسن أيضاً : لينبذن بضم الذال، أي هو وأنصاره. وعن أبي عمرو : لينبذنه. وقرأ الجمهور :﴿كَلا لَيُنابَذَنَّ فِى الْحُطَمَةِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ﴾ ؛ وزيد بن عليّ : في الحاطمة وما أدراك ما الحاطمة، وهي النار التي من شأنها أن تحطم كل ما يلقى فيها. قال الضحاك : الحطمة : الدرك الرابع من النار. وقال الكلبي : الطبقة السادسة من جهنم ؛ وحكى عنه القشيري أنها الدركة الثانية ؛ وعنه أيضاً : الباب الثاني. وقال الواحدي : باب من أبواب جهنم، انتهى.
﴿نَارُ اللَّهِ﴾ : أي هي، أي الحطمة. ﴿الَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى الافْاِدَةِ﴾ : ذكرت الأفئدة لأنها ألطف ما في البدن وأشدّه تألماً بأدنى شيء من الأذى ؛ واطلاع النار عليها هو أنها تعلوها وتشتمل عليها، وهي تعلو الكفار في جميع أبدانهم، لكن نبه على الأشرف لأنها مقر العقائد. وقرأ الأخوان وأبو بكر : في عمد بضمتين جمع عمود ؛ وهارون عن أبي عمرو : بضم العين وسكون الميم ؛ وباقي السبعة : بفتحها،
٥١٠
وهو اسم جمع، الواحد عمود. وقال الفرّاء : جمع عمود، كما قالوا : أديم وأدم. وقال أبو عبيدة : جمع عماد. قال ابن زيد : في عمد حديد مغلولين بها. وقال أبو صالح : هذه النار هي قبورهم، والظاهر أنها نار الآخرة، إذ يئسوا من الخروج بإطباق الأبواب عليهم وتمدد العمد، كل ذلك إيذاناً بالخلود إلى غير نهاية. وقال قتادة : كنا نحدّث أنها عمد يعذبون بها في النار. وقال أبو صالح : هي القيود، والله تعالى أعلم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٠٩
سورة الفيل
مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥١٠
الفيل أكبر ما رأيناه من وحوش البر يجلب إلى ملك مصر، ولم تره بالأندلس بلادنا، ويجمع في القلة على أفيال، وفي الكثرة على فيول وفيلة. الأبابيل : الجماعات تجيء شيئاً بعد شيء. قال الشاعر :
كادت تهد من الأصوات راحلتيإذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
وقال الأعشى :
طريق وخبار رواء أصولهعليه أبابيل من الطير تنعب
قال أبو عبيدة والفراء : لا واحد له من لفظه، فيكون مثل عبابيد وبيادير. وقيل : واحده إبول مثل عجول، وقيل : ابيل مثل سكين، وقيل : وذكر الرقاشي، وكان ثقة، أنه سمع في واحده إبالة ؛ وحكى الفراء : أبالة مخففاً.
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُول﴾.
٥١١
هذه السورة مكية. ولما ذكر فيما قبلها عذاب الكفار في الآخرة، أخبر هنا بعذاب ناس منهم في الدنيا. والظاهر أن الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلّم، يذكر نعمته عليه، إذ كان صرف ذلك العدوّ العظيم عام مولده السعيد عليه السلام، وإرهاصاً بنبوّته، إذ مجيء تلك الطيور على الوصف المنقول، من خوارق العادات والمعجزات المتقدمة بين أيدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ومعنى ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ : ألم تعلم قدره على وجود علمه بذلك ؟ إذ هو أمر منقول نقل التواتر، فكأنه قيل : قد علمت فعل الله ربك بهؤلاء الذين قصدوا حرمه، ضلل كيدهم وأهلكهم بأضعف جنوده، وهي الطير التي ليست من عادتها أنها تقتل.
وقصة الفيل ذكرها أهل السير والتفسير مطولة ومختصرة، وتطالع في كتبهم. وأصحاب الفيل : أبرهة بن الصباح الحبشي ومن كان معه من جنوده. والظاهر أنه فيل واحد، وهو قول الأكثرين. وقال الضحاك : ثمانية فيلة، وقيل : اثنا عشر فيلاً، وقيل : ألف فيل، وهذه أقوال متكاذبة. وكان العسكر ستين ألفاً، لم يرجع أحد منهم إلا أميرهم في شرذمة قليلة، فلما أخبروا بما رأوا هلكوا. وكان الفيل يوجهونه نحو مكة لما كان قريباً منها فيبرك، ويوجهونه نحو اليمن والشام فيسرع. وقال الواقدي : أبرهة جد النجاشي الذي كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلّم. وقرأ السلمي : ألم تر بسكون، وهو جزم بعد جزم. ونقل عن صاحب اللوامح ترأ بهمزة مفتوحة مع سكون الراء على الأصل، وهي لغة لتيم، وتر معلقة، والجملة التي فيها الاستفهام في موضع نصب به ؛ وكيف معمول لفعل. وفي خطابه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلّم بقوله :﴿فَعَلَ رَبُّكَ﴾ تشريف له صلى الله عليه وسلّم وإشادة من ذكره، كأنه قال : ربك معبودك هو الذي فعل ذلك لا أصنام قريش أساف ونائلة وغيرهما.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥١١


الصفحة التالية
Icon