﴿وَقَالُوا إِنْ هِىَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ : هي مقالة بعض قريش إنكاراً للبعث. والظاهر أن قولهم :﴿نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾ حكم على النوع بجملته من غير اعتبار تقديم وتأخير، أي تموت طائفة وتحيا طائفة. وأن المراد بالموت مفارقة الروح للجسد. وقيل : في الكلام تقديم وتأخير، أي نحيا ونموت. وقيل : نموت عبارة عن كونهم لم يوجدوا، ونحيا : أي في وقت وجودنا، وهذا قريب من الأول قبله، ولا ذكر للموت الذي هو مفارقة الروح في هذين القولين. وقيل : تموت الآباء وتحيا الأبناء. وقرأ زيد بن علي : ونحيا، بضم النون. ﴿وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلا الدَّهْرُ﴾ : أي طول الزمان، لأن الآفات تستوي فيه كمالاتها هذا إن كان قائلو هذا معترفين بالله، فنسبوا الآفات إلى الدهر بجهلهم أنها مقدرة من عند الله، وإن كانوا لا يعرفون الله ولا يقرون به، وهم الدهرية، فنسبوا ذلك إلى الدهر. وقرأ عبد الله : إلا دهر، وتأويله : إلا دهر يمر. كانوا يضيفون كل حادثة إلى الدهر، وأشعارهم ناطقة بشكوى الدهر، حتى يوجد ذلك في أشعار المسلمين. قال ابن دريد في مقصورته :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١
يا دهر إن لم تك عتبي فاتئدفإن اروادك والعتبي سواء
و﴿مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ﴾، ليست حجة حقيقة، أي حجتهم عندهم، أو لأنهم أدلوا بها، كما يدلي المحتج بحجته، وساقوها مساقها، فسميت حجة على سبيل التهكم ؛ أو لأنه في نحو قولهم :
تحية بينهم ضرب وجيع
أي : ما كان حجتهم إلا ما ليس بحجة، والمراد نفي أن يكون لهم حجة البتة. وقرأ الجمهور : حجتهم بالنصب ؛ والحسن، وعمرو بن عبيد، وزيد بن علي، وعبيد بن عمير، وابن عامر، فيما روى عنه عبد الحميد، وعاصم، فيما روى هارون وحسين، عن أبي بكر عنه : حجتهم، أي ما تكون حجتهم، لأن إذا للاستقبال، وخالفت أدوات الشرط بأن جوابها إذا كان منفياً بما، لم تدخل الفاء، بخلاف أدوات الشرط، فلا بد من الفاء. تقول : إن تزرنا فما جفوتنا، أي فما تجفونا. وفي كون الجواب منفياً بما، دليل على ما اخترناه من أن جواب إذا لا يعمل فيها، لأن ما بعد ما النافية لا يعمل فيما قبلها.
﴿ائْتُوا ﴾ : يظهر أنه خطاب للرسول والمؤمنين، إذ هم قائلون بمقالته، أو هو خطاب له ولمن جاء بالبعث، وهم الأنبياء، وغلب الخطاب على الغيبة. وقال ابن عطية : إئتوا، من حيث المخاطبة له ؛ والمراد : هو وإلهه والملك الوسيط الذي ذكره هو لهم ؛ فجاء من ذلك جملة قيل لها إئتوا وإن كنتم. انتهى. ولما اعترفوا بأنهم ما يهلكهم إلا الدهر، وأنهم استدلوا
٤٩
على إنكار البعث بما لا دليل لهم فيه من سؤال إحياء آبائهم، ردّ الله تعالى عليهم بأنه تعالى هو المحيي، وهو المميت لا الدهر، وضم إلى ذلك آية جامعة للحساب يوم البعث، وهذا واجب الاعتراف به إن أنصفوا، ومن قدر على هذا قدر على الإتيان بآبائهم.
﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يومئذ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ * وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةًا كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * هذا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّا إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِى رَحْمَتِهِا ذَالِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَاتِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ * وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِى مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلا ظَنًّا﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١


الصفحة التالية
Icon