سورة الإخلاص
مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٢٦
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّه كُفُوًا أَحَدُ﴾.
الصمد : فعل بمعنى مفعول من صمد إليه إذا قصده، وهو السيد المصمود إليه في الحوائج ويستقل بها، قال :
ألا بكر الناعي بخير بني أسدبعمرو بن مسعود بالسيد الصمد
وقال آخر :
علوته بحسام ثم قلت لهخذها خزيت فأنت السيد الصمد
الكفو : النظير.
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّه كُفُوًا أَحَدُ﴾.
هذه السورة مكية في قول عبد الله والحسن وعكرمة وعطاء ومجاهد وقتادة، مدنية في قول ابن عباس ومحمد بن كعب وأبي العالية والضحاك.
ولما تقدم فيما قبلها عداوة أقرب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم، وهو عمه أبو لهب، وما كان يقاسي من عباد الأصنام الذين اتخذوا مع الله آلهة، جاءت هذه السورة مصرحة بالتوحيد، رادة على عباد الأوثان والقائلين بالثنوية وبالتثليث وبغير ذلك من
٥٢٧
المذاهب المخالفة للتوحيد.
وعن ابن عباس، أن اليهود قالوا : يا محمد صف لنا ربك وانسبه، فنزلت. وعن أبي العالية، قال قادة الأحزاب : انسب لنا ربك، فنزلت. فإن صح هذا لسبب، كان هو ضميراً عائداً على الرب، أي ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ﴾ أي ربي الله، ويكون مبتدأ وخبراً، وأحد خبر ثان. وقال الزمخشري : وأحد يدل من قوله :﴿اللَّهِ﴾، أو على هو أحد، انتهى. وإن لم يصح السبب، فهو ضمير الأمر، والشان مبتدأ، والجملة بعده مبتدأ وخبر في موضع خبر هو، وأحد بمعنى واحد، أي فرد من جميع جهات الوحدانية، أي في ذاته وصفاته لا يتجزأ. وهمزة أحد هذا بدل من واو، وإبدال الهمزة مفتوحة من الواو قليل، من ذلك امرأة إناة، يريدون وناة، لأنه من الوني وهو الفتور، كما أن أحداً من الوحدة. وقال ثعلب : بين واحد وأحد فرق، الواحد يدخله العدد والجمع والاثنان، والأحد لا يدخله. يقال : الله أحد، ولا يقال : زيد أحد، لأن الله خصوصية له الأحد، وزيد تكون منه حالات، انتهى. وما ذكر من أن أحداً لا يدخله ما ذكر منقوض بالعدد. وقرأ أبان بن عثمان، وزيد بن علي، ونصر بن عاصم، وابن سيرين، والحسن، وابن أبي إسحاق، وأبو السمال، وأبو عمرو في رواية يونس، ومحبوب، والأصمعي، واللؤلؤي، وعبيد، وهارون عنه :﴿أَحَدٌ * اللَّهُ﴾ بحذف التنوين لالتقائه مع لام التعريف وهو موجود في كلام العرب وأكثر ما يوجد في الشعر نحو قوله :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٢٧
ولا ذاكراً الله إلا قليلاً
ونحو قوله :
عمرو الذي هشم الثريد لقومه
﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ : مبتدأ وخبر، والأفصح أن تكون هذه جملاً مستقلة بالأخبار على سبيل الاستئناف، كما تقول : زيد العالم زيد الشجاع. وقيل : الصمد صفة، والخبر في الجملة بعده، وتقدم شرح الصمد في المفردات. وقال الشعبي، ويمان بن رياب : هو الذي لا يأكل ولا يشرب. وقال أبيّ بن كعب : يفسره ما بعده، وهو قوله :﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾. وقال الحسن : الصمد : المصمت الذي لا جوف له، ومنه قوله :
شهاب حروب لا تزال جيادهعوابس يعلكن الشكيم المصمدا
وفي كتاب التحرير أقوال غير هذه لا تساعد عليها اللغة. وقال ابن الأنباري : لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد هو السيد الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم. قال الزمخشري :﴿لَمْ يَلِدْ﴾، لأنه لا يجانس حتى تكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا، ودل على هذا المعنى بقوله :﴿أَنَّى يَكُونُ لَه وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّه صَاحِبَةٌ﴾. ﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾ : لأن كل مولود محدث وجسم، وهو قديم لا أول لوجوده، وليس بجسم ولم يكافئه أحد. يقال له كفو، بضم الكاف وكسرها وفتحها مع سكون الفاء، وبضم الكاف مع ضم الفاء. وقرأ حمزة وحفص : بضم الكاف وإسكان الفاء، وهمز حمزة، وأبدلها حفص واواً. وباقي السبعة : بضمهما والهمز، وسهل الهمزة الأعرج وأبو جعفر وشيبة ونافع، وفي رواية عن نافع أيضاً كفا من غير همز، نقل حركة الهمزة إلى الفاء وحذف الهمزة. وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس : كفاء بكسر الكاف وفتح الفاء والمد، كما قال النابغة :
لا تعذفني بركن لا كفاء له
الأعلم لا كفاء له : لا مثيل له. وقال مكي سيبويه : يختار أن يكون الظرف خبراً إذا قدمه، وقد خطأه المبرد بهذه الآية، لأنه قدم الظرف ولم يجعله خبراً، والجواب أن سيبويه لم يمنع إلغاء الظرف إذا تقدم، إنما أجاز أن يكون خبراً وأن لا يكون خبراً. ويجوز أن يكون حالاً من النكرة وهي أحد. لما تقدم نعتها عليها نصب على الحال، فيكون له الخبر على مذهب سيبويه واختياره، ولا يكون للمبرد حجة على هذا القول، انتهى. وخرجه ابن عطية أيضاً على الحال.


الصفحة التالية
Icon