وزعم الزجاج أنها لغة جيدة، وذلك خلاف ما زعم النحويون. والضمير في ظهوره عائد على ما، كأنه قال : على ظهور ما تركبون، قاله أبو عبيدة ؛ فلذلك حسن الجمع، لأن مآلها لفظ ومعنى. فمن جمع، فباعتبار المعنى ؛ ومن أفرد فباعتبار اللفظ، ويعني :﴿مِّنَ الْفُلْكِ وَالانْعَـامِ﴾. وقال الفراء نحواً منه، قال : أضاف الظهور، ﴿ثُمَّ تَذْكُرُوا ﴾، أي في قلوبكم، ﴿نِعْمَةَ رَبِّكُمْ﴾، معترفين بها مستعظمين لها. لا يريد الذكر باللسان بل بالقلب، ولذلك قابله بقوله :﴿وَتَقُولُوا سُبْحَـانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـاذَا﴾، أي تنزهوا الله بصريح القول. وجاء في الحديث :"أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا وضع رجله في الركاب قال : بسم الله، فإذا استوى على الدابة قال : الحمد لله على كل حال، سبحان الذي سخر لنا هذا، إلى قوله المنقلبون، وكبر ثلاثاً وهلل ثلاثاً، وقالوا : إذا ركب في السفينة قال :﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْاراهَا وَمُرْسَـاهَآ﴾ إلى رحيم، ويقال عند النزول منها : اللهم أنزلنا منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين". والقرن : الغالب الضابط المطيق للشيء، يقال : أقرن الشيء، إذا أطاقه. قال ابن هرمة :
وأقرنت ما حملتني ولقلمايطاق احتمال الصديا دعد الهجر
وحقيقة أقرنه : وجده، قرينته وما يقرن به : لأن الصعب لا يكون قرينة للضعف. قال الشاعر :
وابن اللبون إذا ما لذ في قرنلم يستطع صولة البذل القناعيس
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢
والقرن : الحبل الذي يقرن به. وقال أبو عبيد : فلان مقرن لفلان، أي ضابط له، والمعنى : أنه ليس لنا من القوة ما نضبط به الدابة والفلك، وإنما الله الذي سخرها. وأنشد قطرب لعمرو بن معد يكرب :
لقد علم القبائل ما عقيللنا في النائبات بمقرنينا
وقرىء : لمقترنين، اسم فاعل من اقترن. ﴿وَإِنَّآ إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ : أي راجعون، وهو إقرار بالرجوع إلى الله، وبالبعث، لأن الراكب في مظنة الهلاك بالغرق إذا ركب الفلك، وبعثور الدابة، إذ ركوبها أمر
فيه خطر، ولا تؤمن السلامة فيه. فقوله هذا تذكير بأنه مستشعر الصيرورة إلى الله، ومستعد للقائه، فهو لا يترك ذلك من قلبه ولا لسانه. ﴿وَجَعَلُوا لَهُ﴾ : أي وجعل كفار قريش والعرب له، أي لله. من عباده : أي ممن هم عبيد الله. جزءاً، قال مجاهد : نصيباً وحظاً، وهو قول العرب : الملائكة بنات الله. وقال قتادة جزءاً، أي نداً، وذلك هو الأصنام وفرعون ومن عبد من دون الله. وقيل : الجزء : الإناث. قال بعض اللغويين : يقال أجزأت المرأة، إذا ولدت أنثى. قال الشاعر :
إن أجزأت حرة يوماً فلا عجبقد تجزىء الحرة المذكار أحيانا
قيل : هذا البيت مصنوع، وكذا قوله :
زوجتها من بنات الأوس مجزئة
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢


الصفحة التالية
Icon