قال المبرد : ليس إلا الطيب المسك. انتهى. واحتاج إلى هذا التقدير كون المسك مرفوعاً بعد إلا وأنت إذا قلت : ما كان زيد إلا فاضلاً نصبت، فلما وقع بعد إلا ما يظهر أنه خبر ليس، احتاج أن يزحزح إلا عن موضعها، ويجعل في ليس ضمير الشأن، ويرفع إلا الطيب المسك على الابتداء والخبر، فيصير كالملفوظ به، في نحو : ما كان إلا زيد قائم. ولم يعرف المبرد أن ليس في مثل هذا التركيب عاملتها بنو تميم معاملة ما، فلم يعملوها إلا باقية مكانها، وليس غير عامله. وليس في الأرض حجازي إلا وهو ينصب في نحو ليس الطيب إلا المسك، ولا تميمي إلا وهو يرفع. في ذلك حكاية جرت بين عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء، ذكرناها فيما كتبناه من علم النحو. ونظير ﴿إِن نَّظُنُّ إِلا ظَنًّا﴾ قول الأعشى :
٥١
وجدّ به الشيب أثقالهوما اغتره الشيب إلا اغتراراً
أي اغتراراً بيناً. وقال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى ﴿إِن نَّظُنُّ إِلا ظَنًّا﴾ ؟ قلت ؛ أصله نظن ظناً، ومعناه إثبات الظن مع نفي ما سواه، وزيد نفى ما سوى الظن توكيداً بقوله :﴿وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾. انتهى. وهذا الكلام ممن لا شعور له بالقاعدة النحوية، من أن التفريغ يكون في جميع المعمولات من فاعل ومفعول وغيره، إلا المصدر المؤكد فإنه لا يكون فيه. وقدّره بعضهم : إن نظن إلا أنكم تظنون ظناً، قال : وإنما احتيج إلى هذا التقدير لأنه لا يجوز في الكلام : ما ضربت إلا ضرباً، فاهتدى إلى هذه القاعدة النحوية، وأخطأ في التخريج، وهو محكي عن المبرد، ولعله لا يصح. وقولهم : إن نظن، دليل على أن الكفار قد أخبروا بأنهم ظنوا البعث واقعاً، ودل قولهم قبل قوله :﴿إِنْ هِىَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾، على أنهم منكرون البعث، فهم، والله أعلم، فرقتان، أو اضطربوا، فتارة أنكروا، وتارة ظنوا، وقالوا :﴿إِن نَّظُنُّ إِلا ظَنًّا﴾ على سبيل الهزء.
﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّاَاتُ مَا عَمِلُوا ﴾ : أي قبائح أعمالهم، أو عقوبات أعمالهم السيئات ؛ وأطلق على العقوبة سيئة، كما قال :﴿وَجَزَا ؤُا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾. ﴿وَحَاقَ بِهِم﴾ أي أحاط، ولا يستعمل حاق إلا في المكروه. ﴿نَنسَا كُمْ﴾ : نترككم في العذاب، أو نجعلكم كالشيء المنسي الملقى غير المبالى بهم. ﴿كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ﴾ : أي لقاء جزاء الله على أعمالكم، ولم تخطروه على بال بعد ما ذكرتم به وتقدم إليكم بوقوعه. وأضاف اللقاء لليوم توسعاً كقوله :﴿بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾. وقرأ الجمهور :﴿لا يُخْرَجُونَ﴾، مبنياً للمفعول ؛ والحسن، وابن وثاب، وحمزة، والكسائي : مبنياً للفاعل. ﴿مِنْهَا﴾ : أي من النار. ﴿وَلا هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ﴾ أي بطلب مراجعة إلى عمل صالح. وتقدم الكلام في الاستعتاب. وقرأ الجمهور :﴿رَبِّ﴾، بالجر في الثلاثة على الصفة، وابن محيصن : بالرفع فيهما على إضمار هو.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤١
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٢