سورة الحجرات
مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٠٢جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٠٣
١٠٣
التنابز بالألقاب : التداعي بها، تفاعل من نبزه، وبنو فلان يتنابزون ويتنازبون، ويقال : النبز والنزب لقب السوء. اللقب : هو ما يدعى به الشخص من لفظ غير اسمه وغير كنيته، وهو قسمان : قبيح، وهو ما يكرهه الشخص لكونه تقصيراً به وذماً ؛ وحسن، وهو بخلاف ذلك، كالصديق لأبي بكر، والفاروق لعمر، وأسد الله لحمزة، رضي الله تعالى عنهم. تجسس الأمر : تطلبه وبحث عن خفيه، تفعل من الجس، ومنه الجاسوس : وهو الباحث عن العورات ليعلم بها ؛ ويقال لمشاعر الإنسان : الحواس، بالحاء والجيم. الشعب : الطبقة الأولى من الطبقات الست التي عليها العرب وهي : الشعب، والقبيلة، والعمارة، والبطن، والفخذ، والفصيلة. فالشعب يجمع القبائل ؛ والقبيلة تجمع العمائر ؛ والعمارة تجمع البطون ؛ والبطن يجمع الأفخاذ ؛ والفخذ يجمع الفصائل. خزيمة شعب ؛ وكنانة قبيلة ؛ وقريش عمارة ؛ وقصي بطن ؛ وهاشم فخذ ؛ والعباس فصيلة. وسميت الشعوب، لأن القبائل تشعبت منها. وروي عن ابن عباس : الشعوب : البطون، هذا غير ما تمالأ عليه أهل اللغة، ويأتي خلاف في ذلك عند قوله :﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا﴾. القبيلة دون الشعب، شبهت بقبائل الرأس لأنها قطع تقابلت. ألت يألت : بضم اللام وكسرها ألتاً، ولات يليت وألات يليت، رباعياً، ثلاث لغات حكاها أبو عبيدة، والمعنى نقص. وقال رؤبة :
وليلة ذات ندى سريتولم يلتني عن سراها ليت
أي : لم يمنعني ولم يحسبني. وقال الحطيئة :
أبلغ سراة بني سعد مغلظةجهد الرسالة لا ألتا ولا كذبا
﴿لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىِ اللَّهِ وَرَسُولِهِا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَلا تَجْهَرُوا لَه بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ﴾.
١٠٤
هذه السورة مدنية. ومناسبتها لآخر ما قبلها ظاهرة، لأنه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه، ثم قال :﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، فربما صدر من المؤمن عامل الصالحات بعض شيء مما ينبغي أن ينهى عنه، فقال تعالى :﴿عَظِيمَا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىِ اللَّهِ وَرَسُولِهِا﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٠٣
وكانت عادة العرب، وهي إلى الآن الاشتراك في الآراء، وأن يتكلم كل بما شاء ويفعل ما أحب، فجرى من بعض من لم يتمرن على آداب الشريعة بعض ذلك. قال قتادة : فربما قال قوم : ينبغي أن يكون كذا لو أنزل في كذا. وقال الحسن : ذبح قوم ضحايا قبل النبي صلى الله عليه وسلّم، وفعل قوم في بعض غزواته شيئاً بآرائهم، فنزلت هذه الآية ناهية عن جميع ذلك. فقال ابن عباس : نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه. وتقول العرب : تقدمت في كذا وكذا، وقدمت فيه إذ قلت فيه.
وقرأ الجمهور : لا تقدموا، فاحتمل أن يكون متعدياً، وحذف مفعوله ليتناول كل ما يقع في النفس مما تقدم، فلم يقصد لشيء معين، بل النهي متعلق بنفس الفعل دون تعرض لمفعول معين، كقولهم : فلان يعطي ويمنع. واحتمل أن يكون لازماً بمعنى تقدم، كما تقول : وجه بمعنى توجه، ويكون المحذوف مما يوصل إليه بحرف، أي لا تتقدّموا في شيء مّا من الأشياء، أو بما يحبون. ويعضد هذا الوجه قراءة ابن عباس وأبي حيوة والضحاك ويعقوب وابن مقسم. لا تقدموا، بفتح التاء والقاف والدال على اللزوم، وحذفت التاء تخفيفاً، إذ أصله لا تتقدموا. وقرأ بعض المكيين : تقدموا بشد التاء، أدغم تاء المضارعة في التاء بعدها، كقراءة البزي. وقرىء : لا تقدموا، مضارع قدم، بكسر الدال، من القدوم، أي لا تقدموا إلى أمر من أمور الدين قبل قدومها، ولا تعجلوا عليها، والمكان المسامت وجه الرجل قريباً منه. قيل : فيه بين يدي المجلوس إليه توسعاً، لما جاور الجهتين من اليمين واليسار، وهي في قوله :﴿بَيْنَ يَدَىِ اللَّهِ﴾، مجاز من مجاز التمثيل. وفائدة تصوير الهجنة والشناعة فيها ؛ نهوا عنه من الإقدام على أمر دون الاهتداء على أمثلة الكتاب والسنة ؛ والمعنى : لا تقطعوا أمراً إلا بعدما يحكمان به ويأذنان فيه، فتكونوا عاملين بالوحي المنزل، أو مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهذا، وعلى هذا مدار تفسير ابن عباس. وقال مجاهد : لا تفتاتوا على الله شيئاً حتى يقصه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلّم، وفي هذا النهي توطئة لما يأتي بعد من نهيهم عن رفع أصواتهم. ولما نهى أمر بالتقوى، لأن من التقوى اجتناب المنهي عنه. ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعُ﴾ لأقوالكم، ﴿عَلِيمٌ﴾ بنياتكم وأفعالكم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٠٣