﴿وَلَاكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾، فهو اللفظ الصادق من أقوالكم، وهو الاستسلام والانقياد ظاهراً، ولم يواطىء أقوالكم ما في قلوبكم، فلذلك قال :﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الايمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ﴾ : وجاء النفي بلما الدالة على انتفاء الشيء إلى زمان الإخبار، وتبين أن قوله :﴿لَّمْ تُؤْمِنُوا ﴾ لا يراد به انتفاء الإيمان في الزمن الماضي، بل متصلاً بزمان الإخبار أيضاً، لأنك إذا نفيت بلم، جاز أن يكون النفي قد انقطع، ولذلك يجوز أن تقول : لم يقم زيد وقد قام، وجاز أن يكون النفي متصلاً بزمن الإخبار. فإذا كان متصلاً بزمن الإخبار، لم يجز أن تقول : وقد قام، لتكاذب الخبرين. وأما لما، فإنها تدل على نفي الشيء متصلاً بزمان الإخبار، ولذلك امتنع لما يقم زيد وقد قام للتكاذب. والظاهر أن قوله :﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الايمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ﴾ ليس له تعلق بما قبله من جهة الإعراب. وقال الزمخشري : فإن قلت : هو بعد قوله :﴿قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا ﴾ يشبه التكرير من غير استقلال بفائدة متجددة ؛ قلت : ليس كذلك، فإن فائدة قوله :﴿لَّمْ تُؤْمِنُوا ﴾ هو تكذيب دعواهم، وقوله :﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الايمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ﴾ توقيت لما أمروا به أن يقولوه، كأنه قيل لهم :﴿وَلَاكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ حين لم يثبت مواطأة قلوبكم لألسنتكم، لأنه كلام واقع موقع الحال من الضمير في قوله :﴿قُولُوا ﴾. انتهى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٠٣
والذي يظهر أنهم أمروا أن يقولوا :﴿قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ غير مقيد بحال، وأن ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الايمَانُ﴾ إخبار غير قيد في قولهم. وقال الزمخشري : وما في لما من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد. انتهى، ولا أدري من أي وجه يكون ما نفي بلما يقع بعد ولما، إنما تنفي ما كان متصلاً بزمان الإخبار، ولا تدل على ما ذكر، وهي جواب لقد فعل، وهب أن قد تدل على توقع الفعل. فإذا نفي ما دل على التوقع، فكيف يتوهم أنه يقع بعد :﴿وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ بالإيمان والأعمال ؟ وهذا فتح لباب التوبة. وقرأ الجمهور :﴿لا يَلِتْكُم﴾، من لات يليت، وهي لغة الحجاز. والحسن والأعرج وأبو عمرو : ولا يألتكم، من ألت، وهي لغة غطفان وأسد. ﴿ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ﴾، ثم تقتضي التراخي، وانتفاء الريبة يجب أن يقارن الإيمان، فقيل : من ترتيب الكلام لا من ترتيب الزمان، أي ثم أقول لم يرتابوا. وقيل : قد يخلص الإيمان، ثم يعترضه ما يثلم إخلاصه، فنفي ذلك، فحصل التراخي، أو أريد انتفاء الريبة في الأزمان المتراخية المتطاولة، فحاله في ذلك كحاله في الزمان الأول الذي آمن فيه. ﴿أُوالَئاِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ : أي في قولهم آمنا،
١١٧
حيث طابقت ألسنتهم عقائدهم، وظهرت ثمرة ذلك عليهم بالجهاد بالنفس والمال. وفي سبيل الله يشمل جميع الطاعات البدنية والمالية، وليسوا كأعراب بني أسد في قولهم آمنا، وهم كاذبون في ذلك.
﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ﴾، هي منقولة من : علمت به، أي شعرت به، ولذلك تعدّت إلى واحد بنفسها وإلى الآخر بحرف الجر لما ثقلت بالتضعيف، وفي ذلك تجهيل لهم، حيث ظنوا أن ذلك يخفى على الله تعالى. ثم ذكر إحاطة علمه بما في السموات والأرض. ويقال : منّ عليهم بيد أسداها إليه، أي أنعم عليه. المنة : النعمة التي لا يطلب لها ثواب، ثم يقال : منّ عليه صنعه، إذا اعتده عليه منة وإنعاماً، أي يعتدون عليك أن أسلموا، فإن أسلموا في موضع المفعول، ولذلك تعدى إليه في قوله :﴿قُل لا تَمُنُّوا عَلَىَّ إِسْلَامَكُمْ﴾. ويجوز أن يكون أسلموا مفعولاً من أجله، أي يتفضلون عليك بإسلامهم. ﴿أَنْ هَدَاكُمْ لِلايمَانِ﴾ بزعمكم، وتعليق المن بهدايتهم بشرط الصدق يدل على أنهم ليسوا مؤمنين، إذ قد بين تعالى كذبهم في قولهم آمنا بقوله :﴿قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا ﴾. وقرأ عبد الله وزيد بن عليّ، إذ هداكم، جعلا إذ مكان إن، وكلاهما تعليل، وجواب الشرط محذوف، أي ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾، فهو المانّ عليكم. وقرأ ابن كثير وأبان عن عاصم : يعلمون، بياء الغيبة، والجمهور : بتاء الخطاب.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٠٣
والذي يظهر أنهم أمروا أن يقولوا :﴿قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ غير مقيد بحال، وأن ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الايمَانُ﴾ إخبار غير قيد في قولهم. وقال الزمخشري : وما في لما من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد. انتهى، ولا أدري من أي وجه يكون ما نفي بلما يقع بعد ولما، إنما تنفي ما كان متصلاً بزمان الإخبار، ولا تدل على ما ذكر، وهي جواب لقد فعل، وهب أن قد تدل على توقع الفعل. فإذا نفي ما دل على التوقع، فكيف يتوهم أنه يقع بعد :﴿وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ بالإيمان والأعمال ؟ وهذا فتح لباب التوبة. وقرأ الجمهور :﴿لا يَلِتْكُم﴾، من لات يليت، وهي لغة الحجاز. والحسن والأعرج وأبو عمرو : ولا يألتكم، من ألت، وهي لغة غطفان وأسد. ﴿ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ﴾، ثم تقتضي التراخي، وانتفاء الريبة يجب أن يقارن الإيمان، فقيل : من ترتيب الكلام لا من ترتيب الزمان، أي ثم أقول لم يرتابوا. وقيل : قد يخلص الإيمان، ثم يعترضه ما يثلم إخلاصه، فنفي ذلك، فحصل التراخي، أو أريد انتفاء الريبة في الأزمان المتراخية المتطاولة، فحاله في ذلك كحاله في الزمان الأول الذي آمن فيه. ﴿أُوالَئاِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ : أي في قولهم آمنا،
١١٧
حيث طابقت ألسنتهم عقائدهم، وظهرت ثمرة ذلك عليهم بالجهاد بالنفس والمال. وفي سبيل الله يشمل جميع الطاعات البدنية والمالية، وليسوا كأعراب بني أسد في قولهم آمنا، وهم كاذبون في ذلك.
﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ﴾، هي منقولة من : علمت به، أي شعرت به، ولذلك تعدّت إلى واحد بنفسها وإلى الآخر بحرف الجر لما ثقلت بالتضعيف، وفي ذلك تجهيل لهم، حيث ظنوا أن ذلك يخفى على الله تعالى. ثم ذكر إحاطة علمه بما في السموات والأرض. ويقال : منّ عليهم بيد أسداها إليه، أي أنعم عليه. المنة : النعمة التي لا يطلب لها ثواب، ثم يقال : منّ عليه صنعه، إذا اعتده عليه منة وإنعاماً، أي يعتدون عليك أن أسلموا، فإن أسلموا في موضع المفعول، ولذلك تعدى إليه في قوله :﴿قُل لا تَمُنُّوا عَلَىَّ إِسْلَامَكُمْ﴾. ويجوز أن يكون أسلموا مفعولاً من أجله، أي يتفضلون عليك بإسلامهم. ﴿أَنْ هَدَاكُمْ لِلايمَانِ﴾ بزعمكم، وتعليق المن بهدايتهم بشرط الصدق يدل على أنهم ليسوا مؤمنين، إذ قد بين تعالى كذبهم في قولهم آمنا بقوله :﴿قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا ﴾. وقرأ عبد الله وزيد بن عليّ، إذ هداكم، جعلا إذ مكان إن، وكلاهما تعليل، وجواب الشرط محذوف، أي ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾، فهو المانّ عليكم. وقرأ ابن كثير وأبان عن عاصم : يعلمون، بياء الغيبة، والجمهور : بتاء الخطاب.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٠٣


الصفحة التالية
Icon