يهبون إليهما كما يهبون إلى المكتوبة. وقال ابن زيد : هي العشاء فقط. وقال مجاهد : هي صلاة الليل. ﴿وَأَدْبَارَ السُّجُودِ﴾، قال أبو الأحوص : هو التسبيح في أدبار الصلوات. وقال عمر، وعليّ، وأبو هريرة، والحسن، والشعبي، وإبراهيم، ومجاهد، والأوزاعي : هما ركعتان بعد المغرب. وقال ابن عباس : هو الوتر بعد العشاء. وقال ابن عباس، ومجاهد أيضاً، وابن زيد : النوافل بعد الفرائض. وقال مقاتل : ركعتان بعد العشاء، يقرأ في الأولى :﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾، وفي الثانية :﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾. وقرأ ابن عباس، وأبو جعفر، وشيبة، وعيسى، والأعمش، وطلحة، وشبل، وحمزة، والحرميان : وإدبار بكسر الهمزة، وهو مصدر، تقول : أدبرت الصلاة، انقضت ونمت. وقال الزمخشري وغيره : معناه ووقت انقضاء السجود، كقولهم : آتيك خفوق النجم. وقرأ الحسن والأعرج وباقي السبعة : بفتحها، جمع دبر، كطنب وأطناب، أي وفي أدبار السجود : أي أعقابه. قال أوس بن حجر :
على دبر الشهر الحرام فأرضناوما حولها جدب سنون تلمع
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١١٨
﴿وَاسْتَمِعْ﴾ : أمر بالاستماع، والظاهر أنه أريد به حقيقة الاستماع، والمستمع له محذوف تقديره :
١٣٠
واستمع لما أخبر به من حال يوم القيامة، وفي ذلك تهويل وتعظيم لشأن المخبر به، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لمعاذ :"يا معاذ اسمع ما أقول لك"، ثم حدثه بعد ذلك. وانتصب ﴿يَوْمِ﴾ بما دل عليه ذلك. ﴿يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾ : أي يوم ينادي المنادي يخرجون من القبور. وقيل : مفعول استمع محذوف تقديره : نداء المنادي. وقيل تقديره : نداء الكافر بالويل والثبور. وقيل : لا يحتاج إلى مفعول، إذ حذف اقتصاراً، والمعنى : كن مستمعاً، ولا تكن غافلاً معرضاً. وقيل معنى واستمع : وانتظر، والخطاب لكل سامع. وقيل : للرسول، أي ارتقبه، فإن فيه تبين صحة ما قلته، كما تقول لمن تعده بورود فتح : استمع كذا وكذا، أي كن منتظراً له مستمعاً، فيوم منتصب على أنه مفعول به. وقرأ ابن كثير : المنادى بالياء وصلاً ووقفاً، ونافع، وأبو عمرو ؛ بحذف الياء وقفاً، وعيسى، وطلحة، والأعمش، وباقي السبعة : بحذفها وصلاً ووقفاً اتباعاً لخط المصحف، ومن أثبتها فعلى الأصل، ومن حذفها وقفاً فلأن الوقف تغيير يبدل فيه التنوين ألفاً نصباً، والتاء هاء، ويشدّد المخفف، ويحذف الحرف في القوافي. والمنادي في الحديث :"أن ملكاً ينادي من السماء أيتها الأجسام الهامدة والعظام البالية والرمم الذاهبة هلموا إلى الحشر والوقوف بين يدي الله تعالى". ﴿مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ﴾ : وصفه بالقرب من حيث يسمع جميع الخلق. قيل : والمنادي إسرافيل، ينفخ في الصور وينادي. وقيل : المنادي جبريل. وقال كعب، وقتادة وغيرهما : المكان صخرة بيت المقدس، قال كعب : قربها من السماء بثمانية عشر ميلاً، كذا في كتاب ابن عطية، وفي كتاب الزمخشري : باثني عشر ميلاً، وهي وسط الأرض. انتهى، ولا يصح ذلك إلا بوحي.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١١٨
﴿يَوْمَ يَسْمَعُونَ﴾ : بدل من ﴿مُنَادِيًا يُنَادِى﴾، و﴿الصَّيْحَةُ﴾ : صيحة المنادي. قيل : يسمعون من تحت أقدامهم. وقيل : من تحت شعورهم، وهي النفخة الثانية، و﴿بِالْحَقِّ﴾ متعلق بالصيحة، والمراد به البعث والحشر. ﴿ذَالِكَ﴾ : أي يوم النداء والسماع، ﴿يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾ من القبور، وقيل : الإشارة بذلك إلى النداء، واتسع في الظرف فجعل خبراً عن المصدر، أو يكون على حذف، أي ذلك لنداء نداء يوم الخروج، أو وقت النداء يوم الخروج. وقرأ نافع، وابن عامر : تشقق بشدّ الشين ؛ وباقي السبعة : بتخفيفها. وقرىء : تشقق بضم التاء، مضارع شققت على البناء للمفعول، وتنشق مضارع انشقت. وقرأ زيد بن علي : تشقق بفك الإدغام، ذكره أبو عليّ الأهوازي في قراءة زيد بن عليّ من تأليفه، ويوم بدل من يوم الثاني. وقيل : منصوب بالمصدر، وهو الخروج. وقيل : المصير، وانتصب ﴿سِرَاعًا ﴾ على الحال من الضمير في عنهم، والعامل تشقق. وقيل : محذوف تقديره يخرجون، فهو حال من الواو في يخرجون، قاله الحوفي. ويجوز أن يكون هذا المقدر عاملاً في ﴿يَوْمَ تَشَقَّقُ﴾. ﴿ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾ : فصل بين الموصوف وصفته بمعمول الصفة، وهو علينا، أي يسير علينا، وحسن ذلك كون الصفة فاصلة. وقال الزمخشري :﴿عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾، تقديم الظرف يدل على الاختصاص، يعني لا يتيسر مثل ذلك اليوم العظيم إلا على القادر الذات الذي لا يشغله شأن عن شأن، كما قال :﴿مَّا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾. انتهى، وهو على طريقه في أن تقديم المفعول وما أشبهه من دلالة ذلك على الاختصاص، وقد بحثنا معه في ذلك في سورة الفاتحة في ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾.
﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ﴾ : هذا وعيد محض للكفار وتهديد لهم، وتسلية للرسول صلى الله عليه وسلّم. ﴿وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ﴾ : بمتسلط حتى تجبرهم على الإيمان، قاله الطبري. وقيل : التحلم عنهم وترك الغلظة عليهم. ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ : لأن من لا يخاف الوعيد لكونه غير مصدّق بوقوعه لا يذكر، إذ لا تنفع فيه الذكرى، كما قال :﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وختمت بقوله :﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ﴾، افتتحت بـ﴿ق وَالْقُرْءَانِ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١١٨


الصفحة التالية
Icon