مَا كَانَ يَرْضَى رَسُولُ اللهِ فِعْلَهُمُ... وَالطَّيِّبَانِ أَبُو بَكْرٍ وَلا عُمَرُ (١)
فجازَ ذلك، إذْ كان قد تقدَّم الجحدُ في أوّل الكلام.
قال أبو جعفر: وهذا القولُ الآخر أولى بالصواب من الأول، إذ كان غيرَ موجودٍ في كلام العرب ابتداءُ الكلام من غير جحد تقدَّمه بـ " لا " التي معناها الحذف، ولا جائزٍ العطفُ بها على " سوى "، ولا على حرف الاستثناء. وإنما لِـ " غير " في كلام العرب معان ثلاثة: أحدها الاستثناء، والآخر الجحد، والثالث سوى. فإذا ثبت خطأ " لا " أن يكون بمعنى الإلغاء مُبتدأ (٢)، وفسدَ أن يكون عطفًا على " غير " التي مع " المغضوب عليهم "، لو كانت بمعنى " إلا " التي هي استثناء، ولم يَجز أيضًا أن يكون عطفًا عليها لو كانت بمعنى " سوى "، وكانت " لا " موجودة عطفًا بالواو التي هي عاطفة لها على ما قَبلها -صحَّ (٣) وثبت أن لا وجهَ لـ " غير "، التي مع " المغضوب عليهم "، يجوز توجيهها إليه على صحَّة إلا بمعنى الجحد والنفي، وأن لا وَجه لقوله: " ولا الضالين "، إلا العطف على " غير المغضوب عليهم ".
فتأويلُ الكلام إذًا - إذْ كان صحيحًا ما قلنا بالذي عليه استشهدنا- اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، لا المغضوب عليهم ولا الضالين.
فإن قال لنا قائل: ومَن هؤلاء الضَّالُّون الذين أمرنا اللهُ بالاستعاذة بالله أن يَسْلُكَ بنا سبيلهم، أو نَضِلَّ ضلالهم؟
قيل: هم الذين وصَفهم الله في تنزيله فقال:(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا
(٢) في المخطوطة :"فإذا ثبت خط أن لا يكون بمعنى الإلغاء" غير منقوطة، ولم يحسن طابعو المطبوعة قراءتها فجعلوها :"فإذا بطل حظ لا أن تكون بمعنى الإلغاء". وقد صححنا ما في المخطوطة من تقديم "لا" على "يكون".
(٣) جواب قوله "فإذا ثبت خطأ... ".