وأما معنى قوله:"أن يضرب مثلا"، فهو أن يبيِّن ويصف، كما قال جل ثناؤه:( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) [سورة الروم: ٢٨]، بمعنى وصف لكم، وكما قال الكُمَيْت:
وَذَلِكَ ضَرْبُ أَخْمَاسٍ أُرِيدَتْ... لأَسْدَاسٍ، عَسَى أَنْ لا تَكُونَا (١)
بمعنى: وصف أخماس.
والمثَل: الشبه، يقال: هذا مَثَل هذا ومِثْله، كما يقال: شبَهُه وشِبْهه، ومنه قول كعب بن زهير:
كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلا... وَمَا مَوَاعِيدُهَا إِلا الأَبَاطِيلُ (٢)
يعني شَبَهًا، فمعنى قوله إذًا:"إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا" : إن
(١) هذا بيت استرقه الكميت استراقًا، على أنه مثل اجتلبه. وأصله : أن شيخًا كان في إبله، ومعه أولاده رحالا يرعونها، قد طالت غربتهم عن أهلهم. فقال لهم ذات يوم :"ارعوا إبلكم ربعا" (بكسر فسكون : وهو أن تحبس عن الماء ثلاثًا، وترد في اليوم الرابع)، فرعوا ربعًا نحو طريق أهلهم. فقالوا : لو رعيناها خمسًا! (بكسر فسكون : أن تحبس أربعًا وترد في الخامس) فزادوا يومًا قبل أهلهم. فقالوا : لو رعيناها سدسًا! (أن تحبس خمسًا وترد في السادس). ففطن الشيخ لما يريدون، فقال : ما أنتم إلا ضرب أخماس لأسداس، ما همتكم رعيها، إنما همتكم أهلكم! وأنشأ يقول :
فصار قولهم :"ضرب أخماس لأسداس" مثلا مضروبًا للذي يراوغ ويظهر أمرًا وهو يريد غيره.
وحقيقة قوله"ضرب : بمعنى وصف"، أنه من ضرب البعير أو الدابة ليصرف وجهها إلى الوجه الذي يريد، يسوقها إليه لتسلكه. فقولهم : ضرب له مثلا، أي ساقه إليه، وهو يشعر بمعنى الإبانة بالمثل المسوق. وهذا بين.
(٢) ديوانه : ٨، وفي المخطوطة :"وما مواعيده"، وعرقوب -فيما يزعمون- : هو عرقوب ابن نصر، رجل من العمالقة، نزل المدينة قبل أن تنزلها يهود بعد عيسى ابن مريم عليه السلام. وكان يحتال في إخلاف المواعيد بالمماطلة، كما هو معروف في قصته.
| وَذَلِكَ ضَرْبُ أَخْمَاسٍ أُرَاهُ، | لأَسْدَاسٍ، عَسَى أَنْ لا تَكُونَا |
وحقيقة قوله"ضرب : بمعنى وصف"، أنه من ضرب البعير أو الدابة ليصرف وجهها إلى الوجه الذي يريد، يسوقها إليه لتسلكه. فقولهم : ضرب له مثلا، أي ساقه إليه، وهو يشعر بمعنى الإبانة بالمثل المسوق. وهذا بين.
(٢) ديوانه : ٨، وفي المخطوطة :"وما مواعيده"، وعرقوب -فيما يزعمون- : هو عرقوب ابن نصر، رجل من العمالقة، نزل المدينة قبل أن تنزلها يهود بعد عيسى ابن مريم عليه السلام. وكان يحتال في إخلاف المواعيد بالمماطلة، كما هو معروف في قصته.