تحوّل فِعله. [وقال بعضهم: قوله:"ثم استوى إلى السماء" يعني به: استوت] (١). كما قال الشاعر:
أَقُولُ لَهُ لَمَّا اسْتَوَى فِي تُرَابِهِ... عَلَى أَيِّ دِينٍ قَتَّلَ النَّاسَ مُصْعَبُ (٢)
وقال بعضهم:"ثم استوى إلى السماء"، عمدَ لها (٣). وقال: بل كلُّ تارك عملا كان فيه إلى آخر، فهو مستو لما عمد له، ومستوٍ إليه.
وقال بعضهم: الاستواء هو العلو، والعلوّ هو الارتفاع. وممن قال ذلك الربيع بن أنس.
٥٨٨- حُدِّثت بذلك عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس:"ثم استوى إلى السماء". يقول: ارتفع إلى السماء (٤).
ثم اختلف متأوّلو الاستواء بمعنى العلوّ والارتفاع، في الذي استوى إلى السّماء. فقال بعضهم: الذي استوى إلى السماء وعلا عليها، هو خالقُها ومنشئها. وقال بعضهم: بل العالي عليها: الدُّخَانُ الذي جعله الله للأرض سماء (٥).
قال أبو جعفر: الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه: منها انتهاءُ شباب الرجل وقوّته، فيقال، إذا صار كذلك: قد استوى الرّجُل. ومنها استقامة ما كان فيه أوَدٌ من الأمور والأسباب، يقال منه: استوى لفلان أمرُه. إذا استقام بعد أوَدٍ، ومنه قول الطِّرِمَّاح بن حَكيم:
طَالَ عَلَى رَسْمِ مَهْدَدٍ أبَدُهْ... وَعَفَا وَاسْتَوَى بِهِ بَلَدُه (٦)
(٢) لم أجد هذا البيت. وفي المطبوعة :"قبل الرأس مصعب"، وهو خطأ لا شك فيه. وفي المخطوطة :"في ثراته"، ولا معنى لها، ولعلها"في تراثه". وأنا في شك من كل ذلك. بيد أن مصعبًا الذي ذكر في الشعر، هو فيما أرجح مصعب بن الزبير.
(٣) في المطبوعة :"عمد إليها".
(٤) الأثر : ٥٨٨- في الدر المنثور ١ : ٤٣، والأثر التالي : ٥٨٩، من تمامه.
(٥) في المطبوعة :"العالى إليها".
(٦) ديوانه : ١١٠، واللسان (سوى) قال :"وهذا البيت مختلف الوزن، فالمصراع الأول من المنسرح، والثاني من الخفيف". والرسم : آثار الديار اللاصقة بالأرض. ومهدد اسم امرأة. والأبد : الدهر الطويل، والهاء في"أبده" راجع إلى الرسم. وعفا : درس وذهب أثره. والبلد : الأثر يقول : انمحى رسمها حتى استوى بلا أثر.