وإنما خاطب الله جل ثناؤه بقوله:"يا بني إسرائيل" أحبارَ اليهود من بني إسرائيل، الذين كانوا بين ظَهرانَيْ مُهاجَر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسبهم جل ذكره إلى يعقوب، كما نسب ذرية آدم إلى آدم، فقال:( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) [سورة الأعراف: ٣١] وما أشبه ذلك. وإنما خصّهم بالخطاب في هذه الآية والتي بعدها من الآي التي ذكَّرهم فيها نعمَه -وإن كان قد تقدّم ما أنزل فيهم وفي غيرهم في أول هذه السورة ما قد تقدم- أن الذي احتج به من الحجج والآيات التي فيها أنباء أسلافهم، وأخبارُ أوائلهم، وَقصَصُ الأمور التي هم بعلمها مخصوصون دون غيرهم من سائر الأمم، ليس عند غيرهم من العلم بصحته وحقيقته مثلُ الذي لهم من العلم به، إلا لمن اقتبس علم ذلك منهم. فعرَّفهم بإطلاع محمّد على علمها- مع بعد قومه وعشيرته من معرفتها، وقلة مزاولة محمد ﷺ درَاسةَ الكتب التي فيها أنباء ذلك (١) - أنّ محمدًا صلى الله عليه وسلم
قلت : ومنه قول دريد بن الصمة في أخيه :
قَلِيلُ التَّشَكِّي للمصيبات، حافظٌ | مِنَ الْيَوْمِ أعقابَ الأحاديث في غَدِ |
وفي الحديث :"إنه كان يقل اللغو" أي لا يلغو أصلا، قال ابن الأثير : وهذا اللفظ يستعمل في نفي أصل الشيء (اللسان : قلل).
ولولا زمان فسد فيه اللسان، وقل الإيمان، واشتدت بالمتهجمين الجرأة على تفسير الكلمات، وتصيد الشبهات - ولولا أن يقول قائل فيفتري على الطبري أنه قال إن رسول الله ﷺ كان يدارس كتب أهل الكتاب، لكنت في غنى عن مثل هذه الإطالة.