جبير قال، قال ابن عباس: كان الرجل يقوت بعض أهله قوتًا دونًا وبعضهم قوتًا فيه سعة، فقال الله:"من أوسط ما تطعمون أهليكم"، الخبز والزيت. (١)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل قوله:"من أوسط ما تطعمون أهليكم" عندنا، قول من قال:"من أوسط ما تطعمون أهليكم في القلَّة والكثرة". وذلك أن أحكام رسول الله ﷺ في الكفارات كلِّها بذلك وردت. وذلك كحكمه ﷺ في كفارة الحلق من الأذى بفَرَق من طعام بين ستة مساكين، (٢) لكل مسكين نصف صاع (٣) وكحكمه في كفارة الوطء في شهر رمضان بخمسة عشر صاعًا بين ستين مسكينًا، لكل مسكين ربُعْ صاع. (٤) ولا يُعْرف له ﷺ شيء من الكفارات، أمر بإطعام خبز وإدام، ولا بغداء وعشاء. (٥)
فإذْ كان ذلك كذلك، وكانت كفارة اليمين إحدى الكفارات التي تلزم من لزمته، كان سبيلُها سبيلَ ما تولَّى الحكم فيه صلى الله عليه وسلم: من أن الواجب على مكفِّرها من الطعام، مقدّرًا للمساكين العشرة محدودًا بكيل، (٦)

(١) الأثر: ١٢٤٤٠-"سليمان"، هو"سليمان بن أبي المغيرة العبسي"، الذي مضى ذكره في التعليق على الأثرين: ١٢٤٣٥، ١٢٤٣٦. وهذا الخبر رواه ابن ماجه رقم: ٢١١٣.
(٢) "الفرق" (بفتح أوله وثانيه، أو فتح أوله وسكون ثانيه): مكيال لأهل المدينة، وهو ثلاثة آصع.
(٣) انظر ما سلف الآثار: ٣٣٣٤ - ٣٣٥٩ في الجزء الرابع: ٥٨ - ٦٩.
(٤) انظر السنن الكبرى للبيهقي ٤ : ٢٢١ - ٢٢٨.
(٥) في المخطوطة: "أمرا بالطعام خبز وإدام"، والذي في المطبوعة أمضى على السياق.
(٦) في المطبوعة: "من الطعام مقدار للمساكين العشرة محدود بكيل"، والصواب من المخطوطة. وأخطأ فهم كلام أبي جعفر، فإنه عنى بقوله: "الطعام": البر، أو التمر. قال ابن الأثير: "الطعام عام في كل ما يقتات به من الحنطة والشعير والتمر، وغير ذلك". وأهل الحجاز إذا أطلقوا لفظ"الطعام" عنوا به البر خاصة. وفي حديث أبي سعيد: "كنا نخرج صدقة الفطر على عهد رسول الله ﷺ صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير". قيل: أراد به البر، وقيل التمر. قالوا: وهو أشبه، لأن البر كان عندهم قليلا لا يتسع لإخراج زكاة الفطر.


الصفحة التالية
Icon