القول في تأويل قوله :﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الذين"آتيناهم الكتاب"، التوراة والإنجيل = يعرفون أنما هو إله واحد =، لا جماعة الآلهة، وأن محمدًا نبيُّ مبعوث ="كما يعرفون أبناءهم".
وقوله:"الذين خسروا أنفسهم"، من نعت"الذين" الأولى.
* * *
ويعنى بقوله:"خسروا أنفسهم"، أهلكوها وألقوها في نار جهنم، بإنكارهم محمدًا أنه لله رسول مرسل، وهم بحقيقة ذلك عارفون (١) ="فهم لا يؤمنون"، يقول: فهم بخسارتهم بذلك أنفسهم لا يؤمنون.
* * *
وقد قيل: إنّ معنى"خسارتهم أنفسهم"، أن كل عبد له منزل في الجنة ومنزل في النار. فإذا كان يوم القيامة، جعل الله لأهل الجنة منازلَ أهل النار في الجنة، وجعل لأهل النار منازلَ أهل الجنة في النار، فذلك خسران الخاسرين منهم، لبيعهم منازلهم من الجنة بمنازل أهل الجنة من النار، بما فرط منهم في الدنيا من معصيتهم الله، وظلمهم أنفسهم، وذلك معنى قول الله تعالى ذكره: الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، [سورة المؤمنون: ١١]. (٢)
* * *

(١) انظر تفسير"خسر" فيما سلف قريبًا ص: ٢٨١، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٣٢٩، ٢٣٠.


الصفحة التالية
Icon