"إلا أن قالوا والله ربّنا ما كنا مشركين"، كذبًا منهم في أيمانهم على قِيلهم ذلك.
* * *
ثم اختلف القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته جماعة من قرأة المدينة والبصرة وبعض الكوفيين:(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ) بالتاء، بالنصب، (١) بمعنى: لم يكن اختبارَناهم لهم إلا قيلُهم (٢) "والله ربنا ما كنا مشركين" = غير أنهم يقرءون"تكن" بالتاء على التأنيث. وإن كانت للقول لا للفتنة، لمجاورته الفتنة، وهي خبر. (٣) وذلك عند أهل العربية شاذٌ غير فصيح في الكلام. وقد روي بيتٌ للبيد بنحو ذلك، وهو قوله:
فَمَضَى وَقَدَّمَهَا، وكانت عادةً... مِنْهُ إذا هيَ عَرَّدَتْ إقْدَامُهَا (٤)
فقال:"وكانت" بتأنيث"الإقدام"، لمجاورته قوله:"عادة".
* * *
وقرأ ذلك جماعة من قراء الكوفيين:(ثُمَّ لَمْ يَكُنْ) بالياء،(فِتْنَتَهُمْ) بالنصب،(إلا أَنْ قَالُوا)، بنحو المعنى الذي قصده الآخرون الذين ذكرنا قراءتهم.
غير أنهم ذكَّروا"يكون" لتذكير"أن". (٥)
قال أبو جعفر: وهذه القراءة عندنا أولى القراءتين بالصواب، لأن"أنْ" أثبت في المعرفة من"الفتنة". (٦)
* * *
(٢) في المطبوعة: "اختبارنا لهم"، وأثبت ما في المخطوطة، وهو فصيح العربية.
(٣) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٨٨.
(٤) من معلقته الباهرة. وانظر ما قاله ابن الشجري في الآية والبيت في أماليه ١: ١٣٠.
والضمير في قوله: "فمضى" إلى حمار الوحش، وفي قوله: "وقدمها" إلى أتنه التي يسوقها إلى الماء.
و"عردت": فرت، وعدلت عن الطريق التي وجهها إليها. وشعر لبيد لا يفصل بعضه عن بعض في هذه القصيدة، فلذلك لم أذكر ما قبله وما بعده. فراجع معلقته.
(٥) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٨٨.
(٦) أغفل أبو جعفر قراءة الرقع في"فتنتهم"، وهي قراءتنا في مصحفنا، قراءة حفص. وأنا أرجح أن أبا جعفر أغفلها متعمدًا، وقد استوفى الكلام في هذه الآية ونظائرها فيما سلف ٧: ٢٧٣-٢٧٥. وانظر تفسير أبي حيان ٤: ٩٥.