قال أبو جعفر: والقول عندي في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان مستفيضتان بمعنى واحد، وبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيبٌ، لاتفاق معنييهما. وذلك كما ذكرنا من الروايات عن العرب في"الوحَد" و"الفَرَد" بفتح الحاء من"الوحد" والراء من"الفرد"، وكسرهما، بمعنى واحدٍ.
* * *
وأما"الضيِّق"، فإن عامة القرأة على فتح ضاده وتشديد يائه، خلا بعض المكيين فإنه قرأه:"ضَيْقًا"، بفتح الضاد وتسكين الياء، وتخفيفه.
وقد يتجه لتسكينه ذلك وجهان:
أحدهما أن يكون سكنه وهو ينوي معنى التحريك والتشديد، كما قيل:"هَيْنٌ لَيْنٌ"، بمعنى: هيِّنٌ ليِّنٌ.
والآخر: أن يكون سكنه بنية المصدر، من قولهم:"ضاق هذا الأمر يضيق ضَيْقًا"، كما قال رؤبة:
قَدْ عَلِمْنَا عِنْدَ كُلِّ مَأْزِقِ... ضَيْقٍ بِوَجْهِ الأمْرِ أَوْ مُضَيِّقِ (١)
ومنه قول الله:( وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ )، [سورة النحل: ١٢٧]. وقال رؤبة أيضًا * وَشَفَّها اللَّوحُ بِمَأْزُولٍ ضَيَقْ * (٢)
(٢) ديوانه : ١٠٥، والوساطة : ١٤. (( مأزول )) من (( الأزل )) ( بسكون الزاي )، وهو الضيق والجدب وشدة الزمان، وفي حديث الدجال :(( أنه يحضر الناس ببيت المقدس، فيؤزلون أزلا ))، أي : يقحطون ويضيق عليهم. ومعنى :(( مأزول ))، أصابه القحط، يعني مرعى، ومثله قول الراجز :
إنَّ لَهَا لَرَاعِيًا جَرِيَّا | أَبْلا بمَا يَنْفَعُها قَوِيَّا |
لَمْ يَرْعَ مَأْزُولا وَلا مَرْعِيَّا | حَتَّى علاَ سَنَامُهَا عُلِيَّا |