وَإِنْ مَذِلَتْ رِجْلِي دَعَوْتُكِ أَشْتَفِي... بِدَعْوَاكِ مِنْ مَذْلٍ بِهَا فَيَهُونُ (١)
* * *
وقد بينا فيما مضى قبل أن"البأس" و"البأساء" الشدة، بشواهد ذلك الدالة على صحته، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (٢)
* * *
وفي هذه الآية الدلالةُ الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله ﷺ من قوله:"ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم".
* * *
وقد تأوّل ذلك كذلك بعضهم.
١٤٣٢٣- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن أبي سنان، عن عبد الملك بن ميسرة الزرَّاد قال، قال عبد الله بن مسعود: قال رسول الله: ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم - قال قلت لعبد الملك: كيف يكون ذلك؟ قال: فقرأ هذه الآية:(فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا)، الآية (٣).
* * *
فإن قال قائل: وكيف قيل:(فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين)؟ وكيف أمكنتهم الدعوى بذلك، وقد جاءهم بأس الله بالهلاك؟ أقالوا ذلك قبل الهلاك؟ فإن كانوا قالوه قبل الهلاك، فإنهم قالوا قبل
(( مذلت رجله ( بفتح وسكون ) ومذلا ( بفتحتين ): خدرت، كانوا يزعمون أن المرء إذا خدرت رجله ثم دعا باسم مَنْ أحب، زال خدرها.
(٢) انظر تفسير (( البأس )) فيما سلف ص : ٢٩٩، تعليق : ٣، والمراجع هناك.
(٣) الأثر : ١٤٣٢٣ - (( عبد الملك بن ميسرة الهلالي الزراد ))، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم : ٥٠٣، ٥٠٤، ١٣٢٦، مات في العشر الثاني من المئة الثانية. لم يدرك ابن مسعود ولا غيره من الصحابة. فإسناده منقطع.
وهذا الخبر ذكره ابن كثير في تفسيره ٣ : ٤٤٨، عن الطبري ولم يخرجه. وخرجه السيوطي في الدر المنثور ٣ : ٦٧، ولم ينسبه إلى غير ابن أبي حاتم.
(( أعذر من نفسه ))، إذا أمكن معاقبة بذنبه منها. يعني : أنهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم، فيعذروا من أنفسهم، ويستوجبوا العقوبة، ويكون لمن يعذبهم عذر في إلحاق العذاب بهم.