القول في تأويل قوله :﴿ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (٧) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلنخبرن الرسل ومَنْ أرسلتهم إليه بيقين علمٍ بما عملوا في الدنيا فيما كنت أمرتهم به، وما كنت نهيتهم عنه (١) ="وما كنا غائبين"، عنهم وعن أفعالهم التي كانوا يفعلونها.
* * *
فإن قال قائل: وكيف يسأل الرسلَ، والمرسل إليهم، وهو يخبر أنه يقصّ عليهم بعلم بأعمالهم وأفعالهم في ذلك؟
قيل: إن ذلك منه تعالى ذكره ليس بمسألة استرشاد، ولا مسألة تعرّف منهم ما هو به غير عالم، وإنما هو مسألة توبيخ وتقرير معناها الخبر، كما يقول الرجل للرجل:"ألم أحسن إليك فأسأت؟"، و"ألم أصلك فقطعت؟". فكذلك مسألة الله المرسلَ إليهم، بأن يقول لهم:"ألم يأتكم رسلي بالبينات؟ ألم أبعث إليكم النذر فتنذركم عذابي وعقابي في هذا اليوم من كفر بي وعبد غيري"؟ كما أخبر جل ثناؤه أنه قائل لهم يومئذ:( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ )،
[سورة يس: ٦٠-٦١]، ونحو ذلك من القول الذي ظاهره ظاهر مسألة، ومعناه الخبر والقصص، وهو بعدُ توبيخ وتقرير.
وأما مسألة الرسل الذي هو قصص وخبر، فإن الأمم المشركة لما سئلت في القيامة قيل لها:(ألم يأتكم رُسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم)؟ أنكر ذلك كثير منهم وقالوا:"ما جاءنا من بشير ولا نذير". فقيل للرسل:"هل بلغتم ما أرسلتم به"؟ أو قيل لهم:"ألم تبلغوا إلى هؤلاء ما أرسلتم به؟"، كما جاء الخبر