مَا إنْ رَأَيْنَا مِثْلَهُنَّ لِمَعْشَرٍ... سُودِ الرُّؤُوسِ، فَوَالِجٌ وَفُيُولُ (١)
فأعاد على الجحد الذي هو"ما" جحدًا، وهو قوله"إن"، فجمعهما للتوكيد.
* * *
وقال آخر منهم: ليست"لا"، بحشو في هذا الموضع ولا صلة، (٢) ولكن"المنع" هاهنا بمعنى"القول"، وإنما تأويل الكلام: مَنْ قال لك لا تسجد إذ أمرتك بالسجود = ولكن دخل في الكلام"أن"، إذ كان"المنع" بمعنى"القول"، لا في لفظه، كما يُفعل ذلك في سائر الكلام الذي يضارع القول، وهو له في اللفظ مخالف، كقولهم:"ناديت أن لا تقم"، و"حلفت أن لا تجلس"، وما أشبه ذلك من الكلام. وقال: خفض"البخل" من روى:"أبى جوده لا البخل"، (٣) بمعنى: كلمة البخل، لأن"لا" هي كلمة البخل، فكأنه قال: كلمة البخل.
* * *
وقال بعضهم: معنى"المنع"، الحول بين المرء وما يريده. قال: والممنوع مضطّر به إلى خلاف ما منع منه، كالممنوع من القيام وهو يريده، فهو مضطر من الفعل إلى ما كان خلافًا للقيام، إذ كان المختار للفعل هو الذي له السبيل إليه وإلى خلافه، فيوثر أحدهما على الآخر فيفعله. قال: فلما كانت صفة"المنع" ذلك، فخوطب إبليس بالمنع فقيل له:(ما منعك ألا تسجد)، كان معناه كأنه قيل له: أيّ شيء اضطرك إلى أن لا تسجد؟
* * *
قال أبو جعفر: والصواب عندي من القول في ذلك أن يقال: إن في الكلام محذوفًا قد كفى دليلُ الظاهر منه، وهو أن معناه: ما منعك من السجود

(١) معاني القرآن للفراء ١ : ١٧٦، ٣٧٤ و (( الفوالج )) جمع (( فالج ))، وهو جمل ذو سنامين كان يجلب من السند للفحلة. و (( الفيول )، جمع (( فيل )).
(٢) (( الصلة )) : الزيادة، كما سلف، انظر فهارس المصطلحات.
(٣) في المطبوعة :(( وقال بعض من روى : أبي جود لا البخل ))، فغير ما في المخطوطة، وأفسد الكلام إفسادًا.


الصفحة التالية
Icon