يقال:"توجَّه مكة"، أي إلى مكة، وكما قال الشاعر: (١)
كَأَنِّي إذْ أَسْعَى لأظْفَرَ طَائِرًا... مَعَ النَّجْمِ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ (٢)
بمعنى: لأظفر بطائر، فألقى"الباء"، وكما قال:( أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ )، [سورة الأعراف: ١٥٠]، بمعنى: أعجلتم عن أمر ربكم.
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة، المعنى، والله أعلم: لأقعدن لهم على طريقهم، وفي طريقهم. قال: وإلقاء الصفة من هذا جائز، (٣) كما تقول:"قعدت لك وجهَ الطريق" و"على وجه الطريق"، لأن الطريق صفة في المعنى، (٤) فاحتمل ما يحتمله"اليوم" و"الليلة" و"العام"، (٥) إذا قيل:"آتيك غدًا"، و"آتيك في غد".
* * *
قال أبو جعفر: وهذا القول هو أولى القولين في ذلك عندي بالصواب، لأن "القعود" مقتضٍ مكانًا يقعد فيه، فكما يقال:"قعدت في مكانك"، يقال:"قعدت على صراطك"، و"في صراطك"، كما قال الشاعر: (٦)
لَدْنٌ بِهَزِّ الْكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ... فِيهِ، كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ (٧)
(٢) لم أجد البيت في غير هذا المكان.
(٣) (( الصفة )) هنا حرف الجر، انظر فهارس المصطلحات فيما سلف، ستأتي بعد قليل بمعنى (( الظرف )). انظر التعليق التالي.
(٤) (( الصفة )) هنا، هي (( الظرف ))، وكذلك يسميه الكوفيون.
(٥) في المطبوعة :(( يحتمل ما يحتمله ))، وفي المخطوطة سقط، كتب :(( في المعنى ما يحتمله )) ولكني أثبت ما في معاني القرآن للفراء ١ : ٣٧٥، فهذا نص كلامه.
(٦) هو ساعدة بن جؤية الهذلي.
(٧) ديوان الهذليين ١ : ١٩٠، سيبويه ١ : ١٦، ١٠٩، الخزانة ١ : ٤٧٤، وغيرها كثير من قصيدة طويلة، وصف في آخرها رمحه، وهذا البيت في صفة رمح من الرماح الخطية. ورواية الديوان (( لذا ))، أي تلذ الكف بهزه. و (( يعسل ))، أي يضطرب. وقوله. (( فيه )) : أي في الهز. وقوله :(( عسل الطريق الثعلب ))، أي : عسل في الطريق الثعلب واضطربت مشيته. شبه اهتزاز الرمح في يد الذي يهزه ليضرب به، باهتزاز الثعلب في عدوه في الطريق.