واستشهد هؤلاء لصحة قراءتهم كذلك بقوله في "آل عمران":( يَغْشَى طَائِفَةً ) [سورة ال عمران: ١٥٤].
* * *
قال أبو جعفر: وأولى ذلك بالصواب:(إِذْ يُغَشِّيكُمْ)، على ما ذكرت من قراءة الكوفيين، لإجماع جميع القراء على قراءة قوله:(وينزل عليكم من السماء ماء)، بتوجيه ذلك إلى أنه من فعل الله عز وجل، فكذلك الواجب أن يكون كذلك(يغشيكم)، إذ كان قوله:(وينزل)، عطفًا على "يغشي"، ليكون الكلام متسقًا على نحو واحد.
* * *
وأما قوله عز وجل:(وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به)، فإن ذلك مطرٌ أنزله الله من السماء يوم بدر ليطهر به المؤمنين لصلاتهم، لأنهم كانوا أصبحوا يومئذ مُجْنبِين على غير ماء. فلما أنزل الله عليهم الماء اغتسلوا وتطهروا، وكان الشيطان قد وسوس إليهم بما حزنهم به من إصباحهم مجنبين على غير ماء، فأذهب الله ذلك من قلوبهم بالمطر. فذلك ربطه على قلوبهم، وتقويته أسبابهم، وتثبيته بذلك المطر أقدامهم، لأنهم كانوا التقوا مع عدوهم على رملة ميثثاء، (١) فلبَّدها المطر، حتى صارت الأقدام عليها ثابتة لا تسوخ فيها، توطئةً من الله عز وجل لنبيه عليه السلام وأوليائه، أسبابَ التمكن من عدوهم والظفر بهم.
* * *
وبمثل الذي قلنا تتابعت الأخبار عن [أصحاب] رسول الله ﷺ وغيره من أهل العلم. (٢)

(١) في المطبوعة :" على رملة هشاء "، ولا أصل لذلك في اللغة، كلام لا يقال. وهو في المخطوطة سيء الكتابة قليلا، صواب قراءته ما أثبت. و " الرملة الميثاء "، اللينة السهلة. قد تسوخ فيها الرجل قليلاً.
(٢) هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها، والأخبار الآتية تدل عل صحة ذلك. وكان في المخطوطة أمام هذا السطر حرف ( ط ) دلالة على الخطأ والشك.


الصفحة التالية
Icon