ومقعده. وذلك أن رسول الله ﷺ أمرهم بالنَّفْر إلى جهاد أعداء الله، فخالفوا أمْرَه وجلسوا في منازلهم.
* * *
وقوله:(خِلاف)، مصدر من قول القائل: "خالف فلان فلانًا فهو يخالفه خِلافًا"، فلذلك جاء مصدره على تقدير "فِعال"، كما يقال: "قاتله فهو يقاتله قتالا"، ولو كان مصدرًا من "خَلَفه" لكانت القراءة: "بمقعدهم خَلْفَ رسول الله"، لأن مصدر: "خلفه"، "خلفٌ" لا "خِلاف"، ولكنه على ما بينت من أنه مصدر: "خالف"، فقرئ:(خلاف رسول الله)، وهي القراءة التي عليها قرأة الأمصار، وهي الصواب عندنا.
* * *
وقد تأول بعضهم ذلك بمعنى: "بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، (١) واستشهد على ذلك بقول الشاعر: (٢)
عَقَبَ الرَّبِيعُ خِلافَهُمْ فَكَأَنَّمَا... بَسَطَ الشَّوَاطِبُ بَيْنَهُنَّ حَصِيرَا (٣)

(١) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن ١ : ٢٦٤.
(٢) هو الحارث بن خالد المخزومي.
(٣) الأغاني ٣ : ٣٣٦ (دار الكتب) ١٥ : ١٢٨ (ساسي)، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١ : ٢٦٤، واللسان (عقب)، (خلف)، من قصيدة روى بعضها أبو الفرج في أغانيه، يقوله في عائشة بنت طلحة تعريضًا، وتصريحًا ببسرة جاريتها، يقول قبله :
يَا رَبْع بُسرَةَ إن أضَرَّ بِكَ البِلَى فَلَقد عَهِدتُكَ آهلا مَعْمورًا
ورواية أبي الفرج " عقب الرذاذ "، و " الرذاذ " صغار المطر. وأما " الربيع "، فهو المطر الذي يكون في الربيع. قال أبو الفرج الأصبهاني :" وقوله : عقب الرذاذ، يقول : جاء الرذاذ بعده. ومنه يقال : عقب لفلان غنى بعد فقر = وعقب الرجل أباه : إذا قام بعده مقامه. وعواقب الأمور، مأخوذة منه، واحدتها عاقبة... والشواطب : النساء اللواتي يشطبن لحاء السعف، يعملن منه الحصر. ومنه السيف المشطب، والشطبية : الشعبة من الشيء. ويقال : بعثنا إلى فلان شطبية من خيلنا، أي : قطعة ". قلت : وإنما وصف آثار الغيث في الديار، فشبه أرضها بالحصر المنمقة، للطرائق التي تبقى في الرمل بعد المطر.


الصفحة التالية
Icon