القول في تأويل قوله تعالى :﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (٣٥) ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهلُ العلم بكلام العرب في مُرَافع"المثل"، (١)
فقال بعض نحويي الكوفيين: الرافع للمثل قوله:(تجري من تحتها الأنهار)، في المعنى، وقال: هو كما تقول:"حِلْيَةُ فلان، أسمرُ كذا وكذا" فليس"الأسمر" بمرفوع بالحلية، إنما هو ابتداءٌ، أي هو أسمر هو كذا. قال: ولو دخل"أنّ" في مثل هذا كان صوابًا. قال: ومِثْلُه في الكلام:"مَثَلُك أنَّك كذا وأنك كذا"، وقوله:(فَلْيَنْظَرِ الإنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا) [سورة عبس: ٢٤، ٢٥] مَنْ وجَّه،(مثلُ الجنة التي وعد المتقون فيها)، ومن قال:(أَنَّا صَبَبْنَا المَاءَ)، أظهر الاسم لأنه مردودٌ على"الطعام" بالخفض، ومستأنف، أي: طَعامُهُ أنَّا صببنا ثم فعلنا. وقال: معنى قوله:(مثل الجنة)، صفات الجنّة.
* * *
وقال بعض نحويي البصريين: معنى ذلك: صفةُ الجنة قال: ومنه قول الله تعالى:(ولَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى) [سورة الروم: ٢٧]، معناه: ولله الصِفة العُليَا. قال: فمعنى الكلام في قوله:(مثلُ الجنة التي وعد المتقون تجرى من تحتِها الأنهار)، أو فيها أنهار، (٢) كأنه قال: وَصْف الجنة صفة تجري من تحتها الأنهار، أو صفة فيها أنهار، والله أعلم.
(٢) العبارة مبهمة، ويبدو لي أن صوابها بعد الآية :" صفة الجنة التي وعد المتقون، صفة جنة تجري من تحتها الأنهار، أو فيها أنهار".