وقوله:( ومن وَرائه عَذَابٌ غليظ )، يقول: ومن وراء ما هو فيه من العذاب = يعني أمامه وقدامه (١) =(عذاب غليظ). (٢)
القول في تأويل قوله عز ذكره :﴿ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨) ﴾
قال أبو جعفر : اختلف أهلُ العربية في رافعِ "مَثَلُ".
فقال بعض نحويي البصرة: إنما هو كأنه قال: ومما نقصّ عليكم مَثَلُ الذين كفروا، ثم أقبل يفسّر، كما قال:( مَثَلُ الْجَنَّةِ ) [سورة الرعد : ٣٥ ]، وهذا كثير. (٣)
* * *
وقال بعض نحويي الكوفيين : إنما المثل للأعمال، ولكن العرب تقدّم الأسماء، لأنها أعرفُ، ثم تأتي بالخبر الذي تخبر عنه مع صاحبه. ومعنى الكلام: مَثَلُ أعمال الذين كفروا بربهم كرماد، كما قيل:( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ) [سورة الزمر : ٦٠ ]، ومعنى الكلام: (٤) ويوم القيامة ترى وجوه الذين كذبوا على الله مسودة. قال: ولو خفض "الأعمال" جاز، كما قال:( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ) الآية [سورة البقرة : ٢١٧ ]، . وقوله:( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ )

(١) انظر تفسير " وراء " فيما سلف : ٥٤٦، ٤٧٥، تعليق : ١.
(٢) انظر تفسير " الغليظ " فيما سلف ٧ : ٣٤١ / ١٤ : ٣٦٠، ٥٧٦ / ١٥ : ٣٦٦.
(٣) انظر ما سلف قريبًا : ٤٦٩ - ٤٧٢
(٤) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١ : ٣٣٨، وسيبويه ١ : ٧٧.


الصفحة التالية
Icon