يقول تعالى ذكره معرّفا خلقه حجته عليهم في توحيده، وأنه لا تصلح الألوهة إلا له: خلق ربكم أيها الناس السموات والأرض بالعدل وهو الحقّ منفردا بخلقها لم يشركه في إنشائها وإحداثها شريك ولم يعنه عليه معين، فأنى يكون له شريك( تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) يقول جلّ ثناؤه: علا ربكم أيها القوم عن شرككم ودعواكم إلها دونه، فارتفع عن أن يكون له مثل أو شريك أو ظهير، لأنه لا يكون إلها إلا من يخلق وينشئ بقدرته مثل السموات والأرض ويبتدع الأجسام فيحدثها من غير شيء، وليس ذلك في قُدرة أحد سوى الله الواحد القَّهار الذي لا تنبغي العبادة إلا له ولا تصلح الألوهة لشيء سواه.
القول في تأويل قوله تعالى :﴿ خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤) ﴾
يقول تعالى ذكره: ومن حججه عليكم أيضا أيها الناس، أنه خلق الإنسان من نطفة، فأحدث من ماء مهين خلقا عجيبا، قلبه تارات خلقا بعد خلق في ظلمات ثلاث، ثم أخرجه إلى ضياء الدنيا بعد ما تمّ خلقه ونفخ فيه الروح، فغذاه ورزقه القوت ونماه، حتى إذا استوى على سوقه كفر بنعمة ربه وجحد مدبره وعبد من لا يضرّ ولا ينفع، وخاصم إلهه، فقال( مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) ونسِي الذي خلقه فسوّاه خلقا سويا من ماء مهين، ويعني بالمبين: أنه يبين عن خصومته بمنطقه، ويجادل بلسانه، فذلك إبانته، وعنى بالإنسان: جميع الناس، أخرج بلفظ الواحد، وهو في معنى الجميع.
القول في تأويل قوله تعالى :﴿ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٥) ﴾
يقول تعالى ذكره: ومن حججه عليكم أيها الناس ما خلق لكم من الأنعام، فسخَّرها لكم، وجعل لكم من أصوافها وأوبارها وأشعارها ملابس تدفئون بها، ومنافع من ألبانها، وظهورها تركبونها( وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ) يقول: ومن الأنعام ما تأكلون لحمه كالإبل والبقر والغنم، وسائر ما يؤكل لحمه، وحذفت