إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا (٧) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (٨) }
يعني تعالى ذكره بذلك: فلعلك يا محمد قاتلٌ نفسك ومهلكها على آثار قومك الذين قالوا لك( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا ) تمردا منهم على ربهم، إن هم لم يؤمنوا بهذا الكتاب الذي أنزلته عليك، فيصدقوا بأنه من عند الله حزنا وتلهفا ووجدا، بإدبارهم عنك، وإعراضهم عما أتيتهم به وتركهم الإيمان بك. يقال منه: بخع فلان نفسه يبخعها بخعا وبخوعا، ومنه قول ذي الرُّمة:
ألا أَيُّهَذَا الباخِعُ الوَجْدُ نَفْسَهُ... لِشَيْءٍ نَحَتْهُ عَنْ يديه المقادر (١)
يريد: نحته فخفف.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله:(بَاخِع) قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ ) يقول: قاتل نفسك.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله.
وأما قوله:(أسَفا) فإنّ أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: فلعلك باخع نفسك إن لم يؤمنوا بهذا الحديث غضبا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد،

(١) البيت في ديوان ذي الرمة طبع كيمبردج سنة ١٩١٩ ص ٢٥١ من القصيدة الثانية والثلاثين وعدتها ثمانية وسبعون بيتا. والباخع القاتل : ونحته عدلته وصرفته. والبيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( ١: ٣٩٣ ) قال :" فلعلك باخع نفسك " : مهلك نفسك. قال ذو الرمة :" ألا أيهذا... " البيت.
أي نحته مشدد. ويقال بخعت له نفسي ونصحي : أي جهدت له وقال الفراء في معاني القرآن ( الورقة ١٨٣ من مصورة الجامعة رقم ٢٤٠٥٩ ) باخع نفسك مخرج، وقاتل نفسك. أه وفي ( اللسان بخع ) نفسه يبخعها بخعا وبخوعا : قتلها غيظا أو غما. وفي التنزيل ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ ) قال الفراء : أي محرج نفسك، وقاتل نفسك. وقال ذو الرمة " ألا يهذأ... بشيء... " البيت. وقال الأخفش : بخعت لك نفسي ونصحي : أي جهدتها. أبخع بخوعا.


الصفحة التالية
Icon