واختلف أهل العربية في معنى "ما" التي مع "ربّ"، فقال بعض نحويي البصرة: أدخل مع ربّ "ما" ليتكلم بالفعل بعدها، وإن شئت جعلت "ما" بمنزلة شيء، فكأنك قلت: ربّ شيء، يود: أي ربّ ودّ يودّه الذين كفروا. وقد أنكر ذلك من قوله بعض نحويِّي الكوفة، وقال: المصدر لا يحتاج إلى عائد، والودّ قد وقع على "لو"، ربما يودون لو كانوا: أن يكونوا، قال: وإذا أضمر الهاء في "لو" فليس بمفعول، وهو موضع المفعول، ولا ينبغي أن يترجم المصدر بشيء، وقد ترجمه بشيء، ثم جعله ودّا، ثم أعاد عليه عائدا. فكان الكسائي والفرّاء يقولان: لا تكاد العرب توقع "ربّ" على مستقبل، وإنما يوقعونها على الماضي من الفعل كقولهم: ربما فعلت كذا، وربما جاءني أخوك، قالا وجاء في القرآن مع المستقبل: ربما يودّ، وإنما جاز ذلك لأن ما كان في القرآن من وعد ووعيد وما فيه، فهو حقّ كأنه عيان، فجرى الكلام فيما لم يكن بعد مجراه فيما كان، كما قيل( وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) وقوله( وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ ) كأنه ماض وهو منتظر لصدقه في المعنى، وأنه لا مكذّب له، وأن القائل لا يقول إذا نَهَى أو أمر فعصاه المأمور يقول: أما والله لربّ ندامة لك تذكر قولي فيها لعلمه بأنه سيندم، والله ووعده أصدق من قول المخلوقين. وقد يجوز أن يصحب ربما الدائم وإن كان في لفظ يفعل، يقال: ربما يموت الرجل فلا يوجد له كفن، وإن أُوليت الأسماء كان معها ضمير كان، كما قال أبو داود:
رُبَّمَا الجامِلُ المُؤَبَّل فِيهِمُ... وعناجِيجُ بَيْنَهُنَّ المِهَارُ (١)

(١) البيت لأبي داود الإيادي ( خزانة الأدب ٤ : ١٨٨ ) وهو شاهد على أن رب المكفوفة بما لا تدخل إلا على الفعل عند سيبويه، وهذا البيت شاذ عنده، لدخول رب المكفوفة فيه على الجملة الإسمية، فإن الجامل مبتدأ والمؤبل صفة وفيهم هو الخبر، وتكون رب كما قال أبو حيان من حروف الابتداء، تدخل على الجمل فعلية أو اسمية للقصد إلى تقليل النسبة المفهومة من الجملة، فإذا قلت : ربما قام زيد فكأنك قللت النسبة المفهومة من قيام زيد، وكذلك إذا قلت ربما زيد شاعر، قللت نسبة شعر زيد، وعن بعضهم أن رب المكفوفة نقلت من معنى التقليل إلى معنى التحقيق، كما نقلت قد الداخلة على المضارع في نحو قوله تعالى " قد يعلم ما أنتم عليه " من معنى التقليل إلى معنى التحقيق. ودخولها على الجملة الاسمية مذهب المبرد والزمخشري وابن مالك. والجامل : الجماعة من الإبل، لا واحد لها من لفظها ويقال إبل مؤبلة : إذا كان للقنية، والعناجيج : الخيل الطوال الأعناق، واحدها : عنجوج، والمهار : جمع مهر، وهو ولد الفرس، والأنثى مهرة.


الصفحة التالية
Icon