الذين آمنوا وعملوا الصالحات، أولئك لهم جنات عدن.
القول في تأويل قوله تعالى :﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (٣١) ﴾
يقول تعالى ذكره: لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناتُ عدن، يعني بساتين إقامة في الآخرة، ( تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ ) يقول: تجري من دونهم ومن بين أيديهم الأنهار،
وقال جلّ ثناؤه: من تحتهم، ومعناه: من دونهم وبين أيديهم،( يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ ) يقول: يلبسون فيها من الحلي أساور من ذهب، والأساور: جمع إسوار.
وقوله:( وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ )
والسندس: جمع واحدها سندسة، وهي ما رقّ من الديباج، والإستبرق: ما غلظ منه وثخُن، وقيل: إن الإستبرق: هو الحرير، ومنه قول المُرقش:
تَرَهُنَّ يَلْبَسْنَ المَشاعِرَ مَرَّةٌ... وإسْتَبْرَقَ الدّيباجِ طَوْرًا لِباسُها (١)
يعني: وغليظ الديباج.
وقوله:( مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأرَائِكِ ) يقول: متكئين في جنات عدن على الأرائك، وهي السرر في الحِجال، واحدتها: أريكة، ومنه قول الشاعر:
خُدُودا جَفَتْ في السَّيْرِ حتى كأنَّما... يُبًاشرن بالمَعْزاءِ مَسّ الأرَائك (٢)
ومنه قول الأعشي:
بينَ الّرَواق وجانِبِ مِن سِتْرها... مِنْها وبين أرِيكَةِ الأنْضَادِ (٣)
(٢) البيت لذي الرمة ( ديوانه طبع كيمبردج سنة ١٩١٩ ص ٤٢٢ ) وقبله قوله :
إذا وَقَعُوا وَهْنا كَسَوْا حَيْثُ مَوَّتَتْ | مِنَ الجَهْدِ أنْفاسُ الرّياحِ الحَوَاشِكِ |
(٣) البيت لم أجده في ديوان الأعشى ميمون، ولا سائر أشعار العشى الملحقة به، إنما وجدت بيتين اثنين من وزنه وقافيته، ص ٢٤٥ طبعة الدكتور محمد حسين بالقاهرة. ولم أجد غيرها. والرواق، بضم الراء المشددة وكسرها : الخيمة. والبيت شاهد كالذي قبله، على أن معنى الأرائك : السرر في الحجال، وأن واحدتها : أريكة. والأنضاد : جمع نضد بالتحريك، وهو ما نضد من متاع البيت، وجعل بعضه فوق بعض.