القول في تأويل قوله تعالى :﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (٤٢) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٤٣) ﴾
يقول تعالى ذكره:( وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ) أنعمت عليك يا موسى هذه النعم، ومننت عليك هذه المنن، اجتباء مني لك، واختيارا لرسالتي والبلاغ عني، والقيام بأمري ونهيي( اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ ) هارون(بآياتي) يقول: بأدلتي وحججي، اذهبا إلى فرعون بها إنه تمرّد في ضلاله وغيه، فأبلغاه رسالاتي( وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) يقول: ولا تضعفا في أن تذكراني فيما أمرتكما ونهيتكما، فإن ذكركما إياي يقوي عزائمكما، ويثبت أقدامكما، لأنكما إذا ذكرتماني، ذكرتما منِّي عليكما نِعَما جمَّة، ومننا لا تحصى كثرة، يقال منه: ونى فلان في هذا الأمر، وعن هذا الأمر: إذا ضعف، وهو يَنِي ونيا كما قال العجاج:
فَمَا وَنى مُحَمَّدٌ مُذْ أنْ غفر... لَهُ الإلهُ ما مَضَى وَما غَيَرْ (١)
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله(ولا تَنِيا) يقول: لا تبطئا.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله( وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) يقول: ولا تضعفا في ذكري.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن

(١) هذان بيتان من مشطور الرجز ( ١٤، ١٥ ) من أرجوز للعجاج ( ديوانه طبع ليبسج ١٩٠٣ ص ١٥) وألوانا، كما في ( اللسان : وفى ) الفترة في الأعمال والأمور، وقد وني يني ونيا وونيا ( على فعول ). أي ضعف. وتوانى في حاجته قصر. وفي حديث عائشة تصف أباها، رضي الله عنهما :" سبق إذا ونيتم " : أي قصرت وفترتم.


الصفحة التالية
Icon