حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: خلق الليل قبل النهار، ثم قال: كانتا رتقا ففتقناهما.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا من المطر والنبات، ففتقنا السماء بالغيث والأرض بالنبات.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب في ذلك لدلالة قوله:( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) على ذلك، وأنه جلّ ثناؤه لم يعقب ذلك بوصف الماء بهذه الصفة إلا والذي تقدمه من ذكر أسبابه.
فإن قال قائل: فإن كان ذلك كذلك، فكيف قيل: أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا، والغيث إنما ينزل من السماء الدنيا؟ قيل: إن ذلك مختلف فيه، قد قال قوم: إنما ينزل من السماء السابعة، وقال آخرون: من السماء الرابعة، ولو كان ذلك أيضا كما ذكرت من أنه ينزل من السماء الدنيا، لم يكن في قوله( أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ ) دليل على خلاف ما قلنا، لأنه لا يمتنع أن يقال السماوات، والمراد منها واحدة فتجمع، لأن كل قطعة منها سماء، كما يقال: ثوب أخلاق، وقميص أسمال.
فإن قال قائل: وكيف قيل إن السماوات والأرض كانتا، فالسماوات جمع، وحكم جمع الإناث أن يقال في قليلة كنّ، وفي كثيره كانت؟ قيل: إنما قيل ذلك كذلك لأنهما صنفان، فالسماوات نوع، والأرض آخر، وذلك نظير قول الأسود بن يعفر:
إنَّ المَنِيَّةَ والحُتُوفَ كِلاهُما... تُوفِي المَخارِمَ يَرْقُبانِ سَوَادِي (١)
فقال كلاهما، وقد ذكر المنية والحتوف لما وصفت من أنه عنى النوعين، وقد

(١) البيت للأسود بن يعفر النهشلي التميمي ( المفضليات ١٠١ ) والمنية : الموت، والحتوف جمع حتف، يريد به أنواع الأخطار التي تؤدي إلى الموت والمخارم جمع مخرم : الطريق في الغلظ ( عن السكري ). وقيل : الطرق في الجبال وأفواه الفجاج، وسواد الإنسان شخصه. والشاهد في البيت أن الشاعر ذكر المنية والحتوف ثم قال يرقبان بالتثنية، لأنه جعل المنية والحتوف نوعين للهلاك، ثم قال : يرقبان. ولو جرى على ما يقتضيه اللفظ لقال : ترقب سوادي، لأن المنية والحتوف عدة أشياء.


الصفحة التالية
Icon