فمثْلُكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٌ... فَأَلْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمائِمَ مُحْوِل (١)
وربما أثبتوا الهاء في الحالتين وربما أسقطوهما فيهما، غير أن الفصيح من كلامهم ما وصفت.
فتأويل الكلام إذن: يوم ترون أيها الناس زلزلة الساعة، تنسى وتترك كل والدة مولود ترضع ولدها عما أرضعت.
كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله( يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ) قال: تترك ولدها للكرب الذي نزل بها.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر، عن الحسن( تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ) قال: ذهلت عن أولادها بغير فطام( وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ) قال: ألقت الحوامل ما في بطونها لغير تمام،( وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ) يقول: وتسقط كل حامل من شدة كرب ذلك حملها.
وقوله( وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى ) قرأت قرّاء الأمصار( وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى على وجه الخطاب للواحد، كأنه قال: وترى يا محمد الناس حينئذ سُكارى وما هم بسُكارى. وقد رُوي عن أبي زُرْعة بن عمرو بن جرير

(١) البيت من معلقة امرئ القيس بن حجر الكندي ( مختار الشعر الجاهلي، بشرح مصطفى السقا، طبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، ص ٢٥ ) قال شارحه : طرقت : أتيت. والتمائم : عوذ تعلق على الطفل. ومحول : أي تم له حول، يقال : أحول الصبي فهو محول، ويروى : مغيل. وهو الذي ترضعه أمه وهي حلبي ؛ يقال : أغالت المرأة ولدها، فهي مغيل ( بكسر الغين )، وأغليته فهي مغيل، ( بسكون الغين وكسر الياء ) ؛ سقته الغيل، وهو لبن الحبلى، والولد : مغال ومغيل. والشاهد في البيت أن " مرضع " بدون هاء. هو من الأوصاف الخاصة بالنساء دون الرجال، وهو لذلك مستعين عن الهاء التي تدخل في الصفات للتفرقة بين الذكر والمؤنث فأما قوله تعالى :" يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت" بالهاء في مرضعة، فإنما يراد به المرأة التي معها صبي ترضعه، فهي متلبسة بالفعل، فالفعل مراد هنا، والصفة حينئذ تجري على الفعل في التذكير والتأنيث، يقال أرضعت أو ترضع الأم وليدها، فهي مرضعة له. فأما الأنثى التي من شأنها أن تكون مرضعا ولم تتلبس بالفعل، فإنما يقال لها مرضع بلا هاء تأنيث، لأن هذا وصف خاص بالإناث فلا حاجة فيه إلى الهاء للفرق.


الصفحة التالية
Icon