يقول تعالى ذكره: والبُدن وهي جمع بدنة، وقد يقال لواحدها: بدن، وإذا قيل بدن احتمل أن يكون جمعا وواحدا، يدلّ على أنه قد يقال ذلك للواحد قول الراجز:
عَليَّ حِينَ نَمْلِكُ الأمُورَا... صَوْمَ شُهُورٍ وَجَبَتْ نُذُورا وَحَلْقَ راسِي وَافِيا مَضْفُورَا... وَبَدَنا مُدَرَّعا مُوْفُورَا (١)
والبدن: هو الضخم من كلّ شيء، ولذلك قيل لامرئ القيس بن النعمان صاحب الخورنق، والسدير البَدَن: لضخمه واسترخاء لحمه، فإنه يقال: قد بَدَّن تبدينا. فمعنى الكلام. والإبل العظام الأجسام الضخام، جعلناها لكم أيها الناس من شعائر الله: يقول: من أعلام أمر الله الذي أمركم به في مناسك حجكم إذا قلدتموها وجللتموها وأشعرتموها، علم بذلك وشعر أنكم فعلتم ذلك من الإبل والبقر.
كما: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن ابن جُرَيج، قال: قال عطاء:( والبُدْنَ جَعَلنْاها لَكُمْ مِن شَعائِرِ اللهِ ) قال: البقرة والبعير.

(١) هذه أربعة أبيات من مشطور الرجز رواها المؤلف عن الفراء في معاني القرآن في هذا الوضع من التفسير، وأنشدها قبل ذلك ثلاثة منها في ( ٧ : ١٢٠ ) عند تفسير قوله تعالى :( فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان ) في سورة المائدة. مع اختلاف في بعض الألفاظ عن روايته لها هنا، وهي :
عَلَيَّ حينَ تمْلِكُ الأمُورَا صَوْمَ شُهُورٍ وَجَبَتْ نُدُورَا
وَبادِنا مُقَلَّدًا مَنْحُورا
ولفظة ( بادنا ) على هذه الرواية، قد تكون صحيحة، يريد جملا سمينا جسيما. كما في ( اللسان : بدن )، يقال : رجل بادن، والأنثى بادن وبادنة والجمع : بدن ( بضم فسكون )، وبدن ( بالضم وتشديد الدال المفتوحة ). وقد تكون ( بادنا ) محرفة عن بدن ( بالتحريك )، بدليل تخريج المؤلف له بقوله " والبدن " ( بضم فسكون ) جمع بدنة ( بالتحريك )، وقد يقال لواحدها : بدن ( بالتحريك )، يدل عليه قول الراجز. " وبدنا مدرعا موفورا ". أه.
ويؤيده أيضًا قول أبي البقاء العكبري في إعراب القرآن : البدن ( بضم فسكون ) : وجمع بدن، ( بالتحريك ) وواحدته : بدنة مثل خشب ( بضم فسكون ) وخشب ( بالتحريك ) ويقال هو جمع بدنة، مثل ثمرة وثمر ( الأخير بضم فسكون )، ويقرأ بضم الدال. والبدنة كما في ( اللسان : بدن ) بالهاء : لعظمها وسمنها. أه. يقول الراجز : أوجبت على نفسي إذا ملكت الأمور بتاء المخاطب أن أصوم شهورا، وأن أحلق رأسي، وأن أنحر بدنا أي جملا ضخما.


الصفحة التالية
Icon