تدخلوها;( هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ) يقول: رجوعكم عنها إذا قيل لكم ارجعوا، ولم يؤذن لكم بالدخول فيها، أطهر لكم عند الله. وقوله:( هُوَ ) كناية من اسم الفعل (١) أعني من قوله:( فارْجِعُوا ). وقوله:( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) يقول جلّ ثناؤه: والله بما تعملون من رجوعكم بعد استئذانكم في بيوت غيركم إذا قيل لكم ارجعوا، وترك رجوعكم عنها وطاعتكم الله فيما أمركم ونهاكم في ذلك وغيره من أمره ونهيه- ذو علم محيط بذلك كله، محص جميعه عليكم، حتى يجازيكم على جميع ذلك.
وكان مجاهد يقول في تأويل ذلك ما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد( فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا ) قال: إن لم يكن لكم فيها متاع، فلا تدخلوها إلا بإذن( وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ).
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله.
قال: ثنا الحسن، قال: ثنا هاشم بن القاسم المزني، عن قَتادة، قال: قال رجل من المهاجرين: لقد طلبت عمري كله هذه الآية، فما أدركتها، أن أستأذن على بعض إخواني، فيقول لي ارجع، فأرجع وأنا مغتبط، لقوله( وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ )وهذا القول الذي قاله مجاهد في تأويل قوله:( فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا ) بمعنى: إن لم يكن لكم فيها متاع، قول بعيد من مفهوم كلام العرب; لأن العرب لا تكاد تقول: ليس بمكان كذا أحد، إلا وهي تعني ليس بها أحد من بني آدم.
وأما الأمتعة وسائر الأشياء غير بني آدم، ومن كان سبيله سبيلهم، فلا تقول ذلك فيها.
القول في تأويل قوله تعالى :﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (٢٩) ﴾