قال: قال ابن زيد في قوله:( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: ليس بواجب عليه أن يكاتبه، إنما هذا أمر أذن الله فيه، ودليل.
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: واجب على سيد العبد أن يكاتبه إذا علم فيه خيرا، وسأله العبد الكتابة، وذلك أن ظاهر قوله:( فَكَاتِبُوهُمْ ) ظاهر أمر، وأمر الله فرض الانتهاء إليه، ما لم يكن دليل من كتاب أو سنة، على أنه ندب، لما قد بيَّنا من العلة في كتابنا المسمى "البيان عن أصول الأحكام".
وأما الخير الذي أمر الله تعالى ذكره عباده بكتابة عبيدهم إذا علموه فيهم، فهو القدرة على الاحتراف والكسب لأداء ما كوتبوا عليه.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عبد الكريم الجزري، عن نافع، عن ابن عمر أنه كره أن يكاتب مملوكه إذا لم تكن له حرفة، قال: تطعمني أوساخ الناس.
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله:( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) يقول: إن علمتم لهم حيلة، ولا تلقوا مؤنتهم على المسلمين.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا أشهب، قال: سئل مالك بن أنس، عن قوله:( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) فقال: إنه ليقال: الخير القوة على الأداء.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني ابن زيد، عن أبيه قول الله:( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: الخير: القوة على ذلك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن علمتم فيهم صدقا ووفاء وأداء.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلية، قال: أخبرنا يونس، عن الحسن، في قوله:( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قال: صدقا ووفاء وأداء وأمانة.
قال: ثنا ابن عُلية، قال: ثنا عبد الله، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وطاووس، أنهما قالا في قوله:( فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ) قالا مالا وأمانة.
وقال آخرون: بل عنى بذلك النور الضياء. وقالوا: معنى ذلك: ضياء السماوات والأرض.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب، في قول الله:( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) قال: فبدأ بنور نفسه، فذكره، ثم ذكر نور المؤمن.
وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك; لأنه عقيب قوله:( وَلَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ) فكان ذلك بأن يكون خبرًا عن موقع يقع تنزيله من خلقه. ومن مدح ما ابتدأ بذكر مدحه، أولى وأشبه، ما لم يأت ما يدلُّ على انقضاء الخبر عنه من غيره. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: ولقد أنزلنا إليكم أيها الناس آيات مبينات الحقّ من الباطل( وَمَثَلا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ) فهديناكم بها، وبيَّنا لكم معالم دينكم بها، لأني هادي أهل السماوات وأهل الأرض، وترك وصل الكلام باللام، وابتدأ الخبر عن هداية خلقه ابتداء، وفيه المعنى الذي ذكرت، استغناء بدلالة الكلام عليه من ذكره، ثم ابتدأ في الخبر عن مثل هدايته خلقه بالآيات المبينات التي أنزلها إليهم، فقال:( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ) يقول: مثل ما أنار من الحقّ بهذا التنزيل في بيانه كمشكاة.
وقد اختلف أهل التأويل في المعنى بالهاء في قوله:( مَثَلُ نُورِهِ ) علام هي عائدة، ومن ذكر ما هي؟ فقال بعضهم: هي من ذكر المؤمن. وقالوا: معنى الكلام: مثل نور المؤمن الذي في قلبه من الإيمان والقرآن مثل مشكاة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عبد الأعلى بن واصل، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب، في قول الله:( مَثَلُ نُورِهِ ) قال: ذكر نور المؤمن فقال: مثل نوره، يقول مثل نور المؤمن. قال: وكان أُبيّ يقرؤها: كذلك مثل المؤمن، قال: هو المؤمن قد جعل الإيمان والقرآن في صدره.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر الرازي،


الصفحة التالية
Icon