خَبِيرًا ) يقول: وحسبك بالحي الذي لا يموت خابرا بذنوب خلقه، فإنه لا يخفى عليه شيء منها، وهو محص جميعها عليهم حتى يجازيهم بها يوم القيامة.
القول في تأويل قوله تعالى :﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (٥٩) ﴾
يقول تعالى ذكره:( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ )( الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) فقال:( وَمَا بَيْنَهُمَا ) وقد ذكر السماوات والأرض، والسماوات جماع، لأنه وجه ذلك إلى الصنفين والشيئين، كما قال القطامي:
ألَمْ يَحْزُنْكَ أنَّ حِبالَ قَيْسٍ... وتَغْلِبَ قَدْ تَبايَنَتا انقِطاعا (١)
يريد: وحبال تغلب فثنى، والحبال جمع، لأنه أراد الشيئين والنوعين.
وقوله:( فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) قيل: كان ابتداء ذلك يوم الأحد، والفراغ يوم الجمعة( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ ) يقول: ثم استوى على العرش الرحمن وعلا عليه، وذلك يوم السبت فيما قيل. وقوله:( فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ) يقول: فاسأل يا محمد خبيرا بالرحمن، خبيرا بخلقه، فإنه خالق كلّ شيء، ولا يخفى عليه ما خلق.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله:( فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ) قال: يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم: إذا أخبرتك شيئا، فاعلم أنه كما أخبرتك، أنا الخبير، والخبير في قوله:( فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ) منصوب على الحال من الهاء التي في قوله به.
القول في تأويل قوله تعالى :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا

(١) البيت للقطامي، وقد سبق الكلام عنه مفصلا، والشاهد فيه هنا : أن الشاعر قال :"تباينتا" بالتثنية، مع أن حبال جمع حبل. والمسوغ لذلك : أن حبال قيس جماعة، وحبال تغلب جماعة أخرى، فعاملهما في إعادة الضمير عليهما معاملة المفردين، ومثله في القرآن :{ الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما﴾ لأنه وجه ذلك إلى الصفتين.


الصفحة التالية
Icon