حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن هشيم، قال: أخبرنا زكريا بن أبي مريم قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: إن ما بين شفير جهنم إلى قعرها مسيرة سبعين خريفا بحجر يهوي فيها أو بصخرة تهوي، عظمها كعشر عشراوات سمان، فقال له رجل: فهل تحت ذلك من شيء؟ قال: نعم غيّ وأثام.
قوله:( يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) اختلفت القرّاء في قراءته، فقرأته عامة قراء الأمصار سوى عاصم( يُضَاعفْ ) جزما( وَيَخْلُدْ ) جزما. وقرأه عاصم:( يضَاعَفُ ) رفعا( وَيَخْلُدُ ) رفعا كلاهما على الابتداء، وأن الكلام عنده قد تناهى عند( يَلْقَ أَثَامًا ) ثم ابتدأ قوله:( يُضَاعَفُ لَهُ الْعَذَابُ ). والصواب من القراءة عندنا فيه: جزم الحرفين كليهما: يضاعفْ، ويخلدْ، وذلك أنه تفسير للأثام لا فعل له، ولو كان فعلا له كان الوجه فيه الرفع، كما قال الشاعر:
مَتى تأْتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْءِ نَارِهِ... تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرُ مُوقِدِ (١)
فرفع تعشو، لأنه فعل لقوله تأته، معناه: متى تأته عاشيا.
وقوله( وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ) ويبقى فيه إلى ما لا نهاية في هوان. وقوله:( إِلا مَنْ

(١) البيت للحطيئة ( اللسان : عشا ). قال : عشا إلى النار وعشاها عشوًا وعشوًا (كفعول ) واعتشاها واعتشى بها : كله: رآها ليلا على بعد، فقصدها مستضيئا بها ؛ قال الحطيئة :* متى تأته تعشو *
البيت. أي متى تأته لا تتبين ناره من ضعف بصرك. ا هـ. وجملة تعشو : في محل نصب على الحال. ولذلك قال المؤلف : فرفع تعشو لأنه فعل لقوله تأته، أي : هو حال من فاعل تأته. أي متى تأته عاشيًا. أما ما رواه الطبري من أن القراء مختلفون في قراءة :(يضاعف ) جزمًا ورفعًا فهو كلام وجيه، ولكل قراءة تأويلها من جهة النحو، ولكنه يؤثر رواية الجزم على التفسير، أي البدل مما قبله، وهو (يلق ) والذي ذهب إليه المؤلف تبع فيه الفراء في معاني القرآن (مصور الجامعة رقم ٢٤٠٥٩ ص ٢٢٦) قال : وقوله :﴿ ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ﴾ : قرأت القراء بجزم ﴿ يضاعف﴾ ورفعه عاصم بن أبي النجود ؛ والوجه الجزم. وذلك إن فسرته ولم يكن فعلا لما قبله ( أي مصاحبا الفعل الذي قبله) فالوجه الجزم. وما كان فعلا لما قبله رفعته، فأما المفسر للمجزوم ( أي المبدل منه ) فقوله :﴿ومن يفعل ذلك يلق أثاما﴾ ثم فسر الأثام، فقال ﴿ يضاعف له العذاب﴾. ومثله في الكلام :" إن تكلمني توصني بالخير والبر أقبل منك". ألا ترى أنك فسرت الكلام بالبر، ولم يكن له فعلا له، فلذلك جزمت، ولو كان الثاني فعلا للأول لرفعته، كقولك :" إن تأتنا تطلب الخير تجده ". ألا ترى تجد تطلب فعلا للإتيان، كقيلك : إن تأتنا طالبًا للخير تجده، قال الشاعر : متى تأته تعشو...
" البيت، فرفع تعشو لأنه أراد : متى تأته عاشيًا. ورفع عاصم ﴿يضاعف له﴾، لأنه أراد الاستئناف، كما تقول : إن تأتنا نكرمك، نعطيك كل ما تريد، لا على الجزاء.


الصفحة التالية
Icon