الضحاك يقول في قوله:( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ) وهذه الآية مكية نزلت بمكة( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ) يعني: الشرك، والقتل، والزنا جميعا. لما أنزل الله هذه الآية قال المشركون من أهل مكة: يزعم محمد أن من أشرك وقتل وزنى فله النار، وليس له عند الله خير، فأنزل الله( إِلا مَنْ تَابَ ) من المشركين من أهل مكة،( فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) يقول: يبدّل الله مكان الشرك والقتل والزنا: الإيمان بالله، والدخول في الإسلام، وهو التبديل في الدنيا. وأنزل الله في ذلك( يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ) يعنيهم بذلك( لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) يعني ما كان في الشرك، يقول الله لهم:(أَنِيبُوا إلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ)، يدعوهم إلى الإسلام، فهاتان الآيتان مكيتان والتي في النساء( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا )... الآية، هذه مدنية، نزلت بالمدينة، وبينها وبين التي نزلت في الفرقان ثمان سنين، وهي مبهمة ليس منها مخرج.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو تُمَيْلة، قال ثنا أبو حمزة، عن جابر، عن مجاهد، قال: سُئل ابن عباس عن قول الله جلّ ثناؤه:( يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) فقال:
بُدِّلْنَ بَعْدَ حَرّهِ خَرِيفا... وَبَعْدَ طُولِ النَّفَسِ الوَجِيفا (١)
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ )... إلى قوله:( وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ) فقال المشركون: ولا والله ما كان هؤلاء الذين مع محمد إلا معنا، قال: فأنزل الله( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ ) قال: تاب من الشرك، قال: وآمن بعقاب الله ورسوله( وَعَمِلَ عَمَلا

(١) هذا بيت للبيد العامري الشاعر. وروايته هكذا غامضة. ولم أجده في أصل ديوانه، وإنما وجدته في الملحق بالديوان (طبع ليدن ص ٥٦)، وروايته فيه كرواية السيوطي في الإتقان : وهذه الرواية أجود وأوضح، وهي : بَدّلْنَ بَعْدَ النَّفَش الوَجِيفا... وَبَعْدَ طُولِ الحِرَّةِ الصَّرِيفا
يصف لبيد جماعة من الإبل، بأنها كانت ترعى ليلا زمنًا طويلا، ثم بدلت بذلك الوجيف، وهو ضرب من سير الإبل والخيل سريع، يقال: وجف البعير والفرس وجفًا، ووجيفًا أسرع وبدلت بعد طول الاجتراء في مباركها الصريف. والاجتراء : أن يخرج دو الكرش جزءًا من الطعام ليمضغه جيدًا ثم يعيده والصريف يطلق على معان، منها اللبن ساعة يحلب، والخمر؛ والمراد به هنا صوت ناب الناقة إذا حركته، وإنما يكون ذلك إذا نالها الإعياء والكلال فكأن لبيدًا يقول تبدلت أحوالها بعد النعيم بؤسًا.


الصفحة التالية
Icon