فإنه يقال: هذا رجل عجميّ، وهذان رجلان عجميان، وهؤلاء قوم عَجَم، كما يقال: عربيّ، وعربيان، وقوم عرب. وإذا قيل: هذا رجل أعجميّ، فإنما نسب إلى نفسه كما يقال للأحمر: هذا أحمري ضخم، وكما قال العجاج:
والدَّهْرُ بالإنسانِ دَوَّارِيُّ (١)
ومعناه: دوّار، فنسبه إلى فعل نفسه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن محمد بن أبي موسى، قال: كنت واقفا إلى جنب عبد الله بن مطيع بعرفة، فتلا هذه الآية:( وَلَوْ نزلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ) قال: لو نزل على بعيري هذا فتكلم به ما آمنوا به( لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ) حتى يفقهه عربيّ وعجميّ، لو فعلنا ذلك.
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت داود بن أبي هند، عن محمد بن أبي موسى، قال: كان عبد الله بن مطيع واقفا بعرفة، فقرأ هذه الآية( وَلَوْ نزلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ) قال: فقال: جملي هذا أعجم، فلو أُنزل على هذا ما كانوا به مؤمنين.

(١) هذا بيت من مشطور الرجز للعجاج الراجز المشهور (اللسان: دور. وأراجيز العرب للسيد توفيق البكري ١٧٤) وهو من أرجوزة له حزينة، بدأها بقوله:
بَكَيْتُ وَالْمُحْتَرِنُ البَكِيُّ وَإنَّمَا يَأْتي الصّبا الصَّبيُّ
أطَرَبَا وَأَنْتَ قِنَّسْرِيُّ وَالدَّهْرُ بِالإِنْسَانِ دَوَّارِيُّ
أَفْنَى الْقُرُونَ وَهْوَ قَعْسَرِيُّ وَبِالدَّهَاءِ يُخْتَلُ المَدْهِيّ
يقول: بكيت ومن حزم كان بكاؤك. والقنسري: المسن القديم. ودواري: دائر، أي أنه يتصرف بالإنسان ويدور به أطوارًا وأحوالا. والقعسري: الشديد، يريد الدهر. ومحل الشاهد في قوله: "دواري" قال في اللسان: أي دائر به، على إضافة الشيء إلى نفسه (أي نسبته إلى نفسه، لأن دواري منسوب إلى دوار، فلفظ المنسوب إليه كلفظ المنسوب). قال ابن سيده: هذا قول اللغويين قال الفارسي هو على لفظ النسب، وليس بنسب، ونظيره بختى وكرسي. وفي (اللسان: عجم) وينسب إلى الأعجم الذي في لسانه عجمة، فيقال: لسان أعجمي، وكتاب أعجمي، ولا يقال رجل أعجمي فتنسب إلى نفسه، إلا أن يكون أعجم وأعجمي بمعنى، مثل دوار ودواري، وجمل قعسر وقعسري؛ هذا إذا ورد وردًا لا يمكن رده. ا ه.


الصفحة التالية