بَعْدَ إِذْ أُنزلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧) }
يقول تعالى ذكره: ولا يصرفنَّك عن تبليغ آيات الله وحججه بعد أن أنزلها إليك ربك يا محمد هؤلاء المشركون بقولهم:( لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى ) وادع إلى ربك وبلغ رسالته إلى من أرسلك إليه بها( وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) يقول: ولا تتركنّ الدعاء إلى ربك، وتبليغ المشركين رسالته، فتكون ممن فعل فِعل المشركين بمعصيته ربه، وخلافه أمره.
القول في تأويل قوله تعالى :﴿ وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٨) ﴾
يقول تعالى ذكره: ولا تعبد يا محمد مع معبودك الذي له عبادة كلّ شيء معبودا آخر سواه. وقوله:( لا إِلَهَ إِلا هُوَ ) يقول: لا معبود تصلح له العبادة إلا الله الذي كلّ شيء هالك إلا وجهه.
واختلف في معنى قوله:( إِلا وَجْهَهُ ) فقال بعضهم: معناه: كلّ شيء هالك إلا هو.
وقال آخرون: معنى ذلك: إلا ما أريد به وجهه، واستشهدوا لتأويلهم ذلك كذلك بقول الشاعر:
أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيهُ... رَبُّ العِبادِ إلَيْهِ الوَجْهُ والعَمَلُ (١)
وقوله:( لَهُ الْحُكْمُ ) يقول: له الحكم بين خلقه دون غيره، ليس لأحد غيره معه فيهم حكم( وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) يقول: وإليه تردون من بعد مماتكم، فيقضي بينكم بالعدل، فيجازي مؤمنيكم جزاءهم، وكفاركم ما وعدهم.
تفسير سورة العنكبوت