يعني: قلوبهم - عن الإذعان لواجب حق الله عليهم، والإقرار له باللازم من حقوقه لهم- أشد صلابة من الحجارة. (١)
* * *
فإن سأل سائل فقال: وما وجه قوله:(فهي كالحجارة أو أشد قسوة)، و"أو" عند أهل العربية، إنما تأتي في الكلام لمعنى الشك، والله تعالى جل ذكره غير جائز في خبره الشك؟
قيل: إن ذلك على غير الوجه الذي توهمته، من أنه شك من الله جل ذكره فيما أخبر عنه، ولكنه خبر منه عن قلوبهم القاسية، أنها - عند عباده الذين هم أصحابها، الذين كذبوا بالحق بعد ما رأوا العظيم من آيات الله - كالحجارة قسوة أو أشد من الحجارة، عندهم وعند من عرف شأنهم.
* * *
وقد قال في ذلك جماعة من أهل العربية أقوالا فقال بعضهم: إنما أراد الله جل ثناؤه بقوله:(فهي كالحجارة أو أشد قسوة)، وما أشبه ذلك من الأخبار التي تأتي ب"أو"، كقوله:( وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ) [ الصافات: ١٤٧]، وكقول الله جل ذكره:( وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) [ سبأ: ٢٤] [الإبهام على من خاطبه] (٢) فهو عالم أي ذلك كان. قالوا: ونظير ذلك قول القائل: أكلت بسرة أو رطبة، (٣) وهو عالم أي ذلك أكل، ولكنه أبهم على المخاطب، كما قال أبو الأسود الدؤلي:
أحب محمدا حبا شديدا... وعباسا وحمزة والوصيا (٤)
(٢) اللسان (سكن). غاله الشيء يغوله : ذهب به فلم تدر أين هو وأجن: ستر وأخفى.
(٣) ما بين القوسين زيادة لا بد منها حتى يستقيم الكلام، استظهرته من قوله بعد :"ولكنه أبهم على المخاطب"، ومن تفسير ابن كثير ١ : ٢٠٩، ٢١٠.
(٤) ديوانه : ٣٢ (من نفائس المخطوطات)، والأغاني ١١ : ١١٣، وإنباه الرواة ١ : ١٧، وسيأتي البيت الثاني وحده في ٢٢ : ٦٥ (بولاق) ورواية الديوان :"وفيهم أسوة إن كان غيا".