إذا ما انتسبنا، لم تلدني لئيمة... ولم تجدي من أن تُقِري به بُدَّا (١)
فالجزاء للمستقبل، والولادة كلها قد مضت. وذلك أن المعنى معروف، فجاز ذلك. قال: ومثله في الكلام:"إذا نظرت في سيرة عمر، لم تجده يسيء". (٢) المعنى: لم تجده أساء. فلما كان أمر عمر لا يشك في مضيه، لم يقع في الوهم أنه مستقبل. فلذلك صلحت"من قبل" مع قوله:(فلم تقتلون أنبياء الله من قبل). قال: وليس الذين خوطبوا بالقتل هم القتلة، إنما قتل الأنبياء أسلافهم الذين مضوا، فتولوهم على ذلك ورضوا به، فنسب القتل إليهم. (٣)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب فيه من القول عندنا، أن الله خاطب الذين أدركوا رسول الله ﷺ من يهود بني إسرائيل - بما خاطبهم في سورة البقرة وغيرها من سائر السور - بما سلف من إحسانه إلى أسلافهم، وبما سلف من كفران أسلافهم نعمه، وارتكابهم معاصيه، واجترائهم عليه وعلى أنبيائه، وأضاف ذلك إلى المخاطبين به، نظير قول العرب بعضها لبعض: فعلنا بكم يوم كذا كذا وكذا، وفعلتم بنا يوم كذا كذا وكذا - على نحو ما قد بيناه في غير موضع من كتابنا هذا -، (٤) يعنون بذلك أن أسلافنا فعلوا ذلك بأسلافكم، وأن أوائلنا فعلوا ذلك بأوائلكم. فكذلك ذلك في قوله:(فلم تقتلون أنبياء الله من قبل)، إذْ كان قد خرج على لفظ الخبر عن المخاطبين به خبرا من الله تعالى ذكره عن

(١) سلف تخريجه في هذا الجزء ٢ : ١٦٥.
(٢) في معاني القرآن للفراء :"لم يسئ"، بحذف"تجده".
(٣) في المطبوعة :"فتلوهم على ذلك ورضوا. فنسب.. "، والصواب ما أثبته من معاني القرآن للفراء ١ : ٦٠ - ٦١، وهذا الذي نقله الطبري هو نص كلامه.
(٤) انظر ما سلف في هذا الجزء ٢ : ٣٠٢ تعليق : ١ والمراجع.


الصفحة التالية
Icon