وقوله:(وراء ظهورهم)، (١) جعلوه وراء ظهورهم. وهذا مثل، يقال لكل رافض أمرا كان منه على بال:"قد جعل فلان هذا الأمر منه بظهر، وجعله وراء ظهره"، يعني به: أعرض عنه وصد وانصرف، كما:-
١٦٤٤ - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:(ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم)، قال: لما جاءهم محمد ﷺ عارضوه بالتوراة فخاصموه بها، فاتفقت التوراة والقرآن، فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف، وسحر هاروت وماروت. (٢) فذلك قوله الله:(كأنهم لا يعلمون).
* * *
ومعنى قوله:(كأنهم لا يعلمون)، كأن هؤلاء الذين نبذوا كتاب الله من علماء اليهود - فنقضوا عهد الله بتركهم العمل بما واثقوا الله على أنفسهم العمل بما فيه - لا يعلمون ما في التوراة من الأمر باتباع محمد ﷺ وتصديقه. وهذا من الله جل ثناؤه إخبار عنهم أنهم جحدوا الحق على علم منهم به ومعرفة، وأنهم عاندوا أمر الله فخالفوا على علم منهم بوجوبه عليهم، كما:-
١٦٤٥ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:(نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب)، يقول: نقض فريق من الذين أوتوا الكتاب"كتاب الله وراء ظهورهم، كأنهم لا يعلمون): أي أن القوم كانوا يعلمون، ولكنهم أفسدوا علمهم، وجحدوا وكفروا وكتموا.
* * *

(١) في المطبوعة :"وقوله نبذوه وراء ظهورهم"، فحذفت"نبذوه"، لأن الطبري ساق الآية بتمامها، وهذا لفظ مقحم فيها.
(٢) في تفسير ابن كثير ١ : ٢٤٧ زيادة، بعد قوله :"وماروت، فلم يوافق القرآن، فذلك قول الله". وآصف : كان كاتب سليمان. وكان يعلم الاسم الأعظم، وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان. ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين، فكتبوا بين كل سطرين سحرا وكفرا (ابن كثير ١ : ٢٤٨).


الصفحة التالية
Icon