قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله عز وجل أخبر عن الذين أخبر عنهم أنهم اتبعوا ما تتلو الشياطين على عهد سليمان، باتباعهم ما تلته الشياطين.
* * *
ولقول القائل:"هو يتلو كذا" في كلام العرب معنيان. أحدهما: الاتباع، كما يقال:"تلوت فلانا" إذا مشيت خلفه وتبعت أثره، كما قال جل ثناؤه:( هُنَالِكَ تتلو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ ) [ يونس: ٣٠]، (١) يعني بذلك تتبع.
والآخر: القراءة والدراسة، كما تقول:"فلان يتلو القرآن"، بمعنى أنه يقرؤه ويدرسه، كما قال حسان بن ثابت:
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله... ويتلو كتاب الله في كل مشهد (٢)
ولم يخبرنا الله جل ثناؤه - بأى معنى"التلاوة" كانت تلاوة الشياطين الذين تلوا ما تلوه من السحر على عهد سليمان - بخبر يقطع العذر. وقد يجوز أن تكون الشياطين تلت ذلك دراسة ورواية وعملا فتكون كانت متبعته بالعمل، ودارسته بالرواية. فاتبعت اليهود منهاجها في ذلك، وعملت به، وروته. (٣)
* * *
القول في تأويل قوله تعالى :﴿ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ﴾
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:(على ملك سليمان)، في ملك سليمان. وذلك أن العرب تضع"في" موضع"على" و"على" في موضع"في".

(١) "هنالك تتلو" إحدى القراءتين، والأخرى"هنالك تبلو"، وهي التي في مصاحفنا اليوم وقال أبو جعفر في تفسيره ١١ : ٧٩"إنهما قراءتان مشهورتان، قد قرأ بكل منهما أئمة من القراء".
(٢) ديوانه : ٨٨، من أبيات قالها حسان في خبر أم معبد، حين خرج رسول الله مهاجرا إلى المدينة. ورواية الديوان :"في كل مسجد"، ورواية الطبري أمثل.
(٣) كان ينبغي أن يكون في هذا المكان تفسير قوله" ما تتلو" الذي سيأتي في : ٤١٨


الصفحة التالية
Icon