ناس منهم يقولون:"اسمع غير مسمع"، كقولك اسمع غير صاغر = وهي التي في النساء( مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ) [سورة النساء: ٤٦]، يقول: إنما يريد بقوله طعنا في الدين. ثم تقدم إلى المؤمنين فقال:"لا تقولوا راعنا". (١)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في نهي الله جل ثناؤه المؤمنين أن يقولوا لنبيه:"راعنا" أن يقال: إنها كلمة كرهها الله لهم أن يقولوها لنبيه صلى الله عليه وسلم، نظير الذي ذكر عن النبي ﷺ أنه قال:
١٧٣٩ -"لا تقولوا للعنب الكرم، ولكن قولوا: الحبَلة". (٢)
١٧٤٠ - و"لا تقولوا: عبدي، ولكن قولوا: فتاي". (٣)
وما أشبه ذلك، من الكلمتين اللتين تكونان مستعملتين بمعنى واحد في كلام العرب، فتأتي الكراهة أو النهي باستعمال إحداهما، واختيار الأخرى عليها في المخاطبات.
* * *
فإن قال لنا قائل: فإنا قد علمنا معنى نهي النبي ﷺ في "العنب" أن يقال له"كرم"، وفي"العبد" أن يقال له"عبد"، فما المعنى الذي في قوله:(راعنا) حينئذ، الذي من أجله كان النهي من الله جل ثناؤه للمؤمنين
(٢) الحديث : ١٧٣٩ - ذكره الطبري معلقا دون إسناد. وقد رواه أحمد في المسند : ٧٥٠٩، من حديث أبي هريرة، مرفوعا :"ولا تسموا العنب الكرم". ورواه الشيخان وغيرهما، كما بينا هناك. ورواه أيضًا قبل ذلك إشارة موجزا : ٧٢٥٦.
وروى مسلم ٢ : ١٩٧، من حديث علقمة بن وائل، عن أبيه، مرفوعا :"لا تقولوا الكرم، ولكن قولوا : الحبلة، يعني العنب".
(٣) الحديث : ١٧٤٠ - وهذا معلق أيضًا. وهو جزء من حديث طويل. رواه البخاري ومسلم وغيرهما، من حديث أبي هريرة، مرفوعا :".. ولا يقل أحدكم عبدي، أمتي، وليقل : فتاى، فتاتي، غلامي". انظر البخاري ٥ : ١٢٨ - ١٣١ (فتح)، ومسلم ٢ : ١٩٧.