وكما قال جميل بن معمر:
ألا إن جيراني العشية رائح... دعتهم دواع من هوى ومنادح (١)
فقال:"ألا إن جيراني العشية" فابتدأ الخبر عن جماعة جيرانه، ثم قال:"رائح"، لأن قصده - في ابتدائه ما ابتدأ به من كلامه - الخبر عن واحد منهم دون جماعتهم، وكما قال جميل أيضا في كلمته الأخرى:
خليلي فيما عشتما، هل رأيتما... قتيلا بكى من حب قاتله قبلي (٢)
وهو يريد قاتلته، لأنه إنما يصف امرأة، فكنى باسم الرجل عنها، وهو يعنيها. فكذلك قوله:(ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير * ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض)، وإن كان ظاهر الكلام على وجه الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه مقصود به قصد أصحابه. وذلك بين بدلالة قوله:(وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير * أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى
وربما حسن أن يقال : إنه جمع لا واحد له من لفظه، كمحاسن مشابه، والواحد من ذلك ندح وجمعه أنداح : وهو ما اتسع من الأرض.
(٢) الأمالي ٢ : ٧٤، والأغاني ١ : ١١٧، ٧ : ١٤٠، وهي قصيدة من جيد شعر جميل.