وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤) }
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذّبين بالبعث من مشركي قريش، محتجا عليهم بأنه القادر على ذلك، وعلى ما يشاء:(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) أيها الناس(مِنْ ضَعْفٍ) يقول: من نطفة وماء مهين، فأنشأكم بشرا سويا،(ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) يقول: ثم جعل لكم قوّة على التصرّف، من بعد خلقه إياكم من ضعف، ومن بعد ضعفكم بالصغر والطفولة،(ثُم جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً) يقول: ثم أحدث لكم الضعف، بالهرم والكبر عما كنتم عليه أقوياء في شبابكم، وشيبة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله:(الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) أي من نطفة( ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا ) الهرم(وَشَيْبَةً) الشمط.
وقوله:(يَخْلُقُ ما يَشاءُ) يقول تعالى ذكر: يخلق ما يشاء من ضعف وقوّة وشباب وشيب(وَهُوَ العَلِيمُ) بتدبير خلقه(القَدِيرُ) على ما يشاء، لا يمتنع عليه شيء أراده، فكما فعل هذه الأشياء، فكذلك يميت خلقه ويحييهم إذا شاء. يقول: واعلموا أن الذي فعل هذه الأفعال بقدرته يحيي الموتى إذا شاء.
القول في تأويل قوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) ﴾
يقول تعالى ذكره: ويوم تجيء ساعة البعث، فيبعث الخلق من قبورهم، يقسم المجرمون، وهم الذين كانوا يكفرون بالله في الدنيا، ويكتسبون فيها الآثام، وإقسامهم: حلفهم بالله(ما لَبِثُوا غيرَ ساعَةٍ) : يقول: يقسمون بأنهم لم يلبثوا في قبورهم غير ساعة واحدة، يقول الله جلّ ثناؤه: كذلك في الدنيا كانوا يؤفكون: يقول: كذبوا في قيلهم وقَسَمِهِم ما لبثنا غير ساعة، كما كانوا في الدنيا يكذبون ويحلفون على الكذب وهم يعلمون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.